عقولكم التجارب والعبر وقد أصبحت بمرأى منكم عدد الرمل والحجر ، وبالطبع أن التباعد والتباغض والعداء والتفرقة التي نراها ما بين المسلمين في القرون الأولى والعصور المتوسطة وما بعدها إلى هذه الآونة ، ما هي إلاّ من جراء دسائس أولئك الدجالين ووساوسهم الشيطانية ، ونبزاتهم التي ألصقوها بالشيعة ، ووضعوها على ألسنتهم ليباعدوا بينهم وبين العامّة ، ويغرسوا في أذهانهم ما يعزونه إليهم من نسب قبيحة وتهم شنيعة مما هم أبرّ وأتقى من أن يكون ذلك منهم.
وبهذا استمر العداء عبر القرون بين الفريقين ، واستحكم الغلّ في نفوس الطائفتين ، لذا ترى على الأثر أن العامة مخدوعون بما خطّه لهم أولئك الغواة الخرّاصون من الهمزات حول الشيعة حتى طفق ينظر كلّ فريق منهم إلى الفريق الآخر نظر العدوّ لعدوّه البغيض ، ويتربص كلّ منهما بصاحبه الدوائر ويبتغي له الغوائل ، ويريد الوقيعة فيه عند سنوح أية فرصة يستطيع من ورائها القضاء على أخيه والإتيان على آخر نفس من أنفاس حياته ، ولو أن هؤلاء الدجالين كفوا عن مهاجمة الشيعة ولم يزيدوا على ذلك الطعن في أعراض من عرضهم أنقى من الثلج ، وخفضوا قليلا من عضب لسانهم ، لوجدوا الشيعة أقرب النّاس إليهم مودّة ، وأشدّهم لهم رعاية ، ولكن ما ذا تصنع الشيعة وهؤلاء يلجئونهم إلى تنظيم خطوط الدفاع لمّا وجدوهم هاجمين عليهم بالمكشوف ، وزاحفين إليهم معلنين لهم القتال ، ولمّا لم يجدوا هناك ممن بيده السّلطة الزمنية من الحكّام المعاصرين من يقف حائلا دون هذا الهجوم المدمّر ، ولم يروا من ينتقم من الزاحفين المعتدين عليهم ، ولا من ضارب على أيدي العابثين بيد من حديد ، كانوا أبعد الفريقين طبعا عن المسئولية التي تستتبعها هذه المنازلة وذلك الدفاع ، بل لا تتحمل شيئا من المسئولية تجاه ذلك الموقف ، بعد أن كانوا مضطرين للدفاع عن أنفسهم وعن قداسة مذهبهم الّذي يحاول هؤلاء أن يدنّسوه بذنوبهم ويلوثوه بأكاذيبهم ، وإلاّ فالشيعة إلى السّلم أجنح منها إلى المناجزة ، وإلى إيثار الدعة أميل منها إلى الدخول في المجادلة ، وحسبك شاهدا على ذلك أقوالهم وأعمالهم في مختلف أزمانهم بمختلف أجيالهم.