الأمر الثاني : أنه من القبيح في لغة العرب الانتقال من حكم قبل تمامه إلى حكم آخر غير مشارك ولا مناسب له ، بل فيه إغراء بالجهل لظهوره في العطف على ما قبله مع عدم الفصل ، وهذا هو الموافق للعربية الصحيحة الفصيحة ويعرفه كلّ عربي حتى الغبي ، ولا شك في أن كلام الله من أفصح كلام العرب ، كما أن الإغراء بالجهل من سائر النّاس قبيح ، فكيف من اللّطيف الخبير الغنيّ المطلق فإن نسبة ذلك إليه أقبح ، فكيف استساغ هذا الآلوسي حمل كلام الله تعالى عليه.
الوجه الثاني : قوله : « فلأن استلزام الفصل بجملة أجنبية إنما يخلّ إذا لم يكن جملة : امسحوا برءوسكم ، لها تعلّق بما قبلها ».
فيقال فيه : أيّ تعلّق يا ترى يكون بين الجملتين ـ كما يزعم ـ وموضوع الحكم في الجملة الأولى هو غيره في الجملة الثانية ، فإن موضوع الحكم في الجملة الأولى هو غسل الوجوه والأيدي وموضوعه في الجملة الثانية هو مسح الرءوس والأرجل ، فأيّ تعلّق للثانية بما قبلها وأيّة صلة تجدها بين الحكم بوجوب غسل الوجوه والأيدي وبين مسح الرءوس والأرجل وهما مختلفان موضوعا وحكما صغرى وكبرى ، ولو فرضنا جدلا أن جملة امسحوا لها تعلّق بما قبلها فإن شيئا من ذلك لا يرفع غائلة الالتباس ، ولا يزيل الإغراء بالجهل لحكومة الظهور على إرادة مسح الأرجل بمقتضى عطفه على الرءوس المحكومة بوجوب المسح على خلافه.
الوجه الثالث : قوله : « أما إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل برءوسكم فلا فصل ».
فيقال فيه : أجل يصح هذا إذا طرح المسلمون مراد الله من ظاهر قوله وأخذوا بقول الآلوسي ، الّذي يأخذ في تأويل الآيات بما يهوى وشاء له هواه ، لذا تراه يقول : إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل برءوسكم ، وهل هذا إلاّ عين ما يدّعيه من الآية ، فكيف يصح أن يجعل قوله دليلا على صحة مدّعاه ، وكونه صار مذهبا لأكثر أهل السنّة كما يقول فهو يدلّ على أن هناك الكثير من أهل السنة لا يذهبون هذا المذهب ، ويوافقون الشيعة على مذهبهم ، فيكون ذلك إجماعا من