رابعا : أن الرؤية في منطوق الآية إما أن يراد بها العلم أو يراد بها المشاهدة بباصرة العين ، فإن كان الأول فليس من القياس في شيء إذ لا شيء من القياس بعلم ، وإن كان الثاني فغير داخل في مفهوم القياس ولا يشمله تعريفه في أصولهم ، فأين يا ترى دلالة الآية على حجيّة القياس؟ وهو لا يفيد ظنا ولو أفاده فهو خارج عن منطوق الآية ، على أنه يستلزم أن يكون وحي الله قياسا لأن ما أراه الله تعالى لا يكون إلاّ وحيا ، والقول بأن وحي الله قياس كفر لاستلزامه نسبة الجهل إلى الله فيما أنزله على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لا يرجع إلى القياس إلاّ من كان جاهلا بحكم الله ، لذا كان نسبة الجهل إلى الله تعالى في حكمه كفرا ، ثم من أين لهذا الإنسان أن يحيط علما بخواصّ الأمور وفوائدها ومنافعها ، ومضارّها ومفاسدها ، ومصالحها لكي يعطيها حكمها نفيا أو إيجابا ، والجهل له طبيعي ، ومهما تخطّى فإلى قليل من العلم ، ومجرد إدراك المشابهة بين شيئين لا يوجب أن يكون حكمهما واحدا ، فإنه ليس بأولى من أن يكون ما بينهما من المباينة مانعا من أن يكونا واحدا حكما ، ولا جائز أن يخفى أمره على الله تعالى فلا يعطيه حكمه لو كان ثمة يشمله حكم الأصل ولا يخفي على الإنسان فيعطيه حكمه حسبما يرى ويهوى.
ويقول ابن حزم الأندلسي في كتاب ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل (١) ص (٤٢) : « قال بعضكم ـ يعني أهل القياس ـ طلاق العبد طلقتان وصيام العبد في الظهار شهر » فهلاّ تماديتم وقلتم صلاته ركعتان وصيامه نصف رمضان ووضوؤه عضوان ، وغسله نصف جسده ، فو الله لأن جاز القياس هناك ليجوزن هنا لأنه كلّه قياس وكلّه خلاف النص.
وقال أيضا في ص : (٤٨) منه : « إن الله جعل الحدّ في الزنا ولم يجعله في إتيان البهيمة وكلاهما محرّم ، وجعل الحدّ بالقذف في الزنا ولم يجعله في القذف بالكفر ، وجعل الحدّ في جرعة خمر ولم يجعله في شرب أرطال من الدم ».
__________________
(١) المطبوع بدمشق سنة ( ١٩٦٠ م ) والّذي حققه الأستاذ سعيد الأفغاني.