وقال أيضا في ص : (٤٨) منه : « إن هذا إخراج لأحكام الله بالعقل ، وادعاء بلا برهان ولا نصّ ، وإخبار عن الله بما لم يخبر ، وتقويل لرسوله بما لم يقل ».
وقال في ص : (٤٩) منه : فأول ذنب عصي الله به التعليل لأوامر الله بلا نصّ ، وترك اتباع ظاهرها ، وذلك قول إبليس : ( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ) [ الأعراف : ٢٢ ] استنبط إبليس علّة النهي عن أكل الشجرة ، ولم يصح التعليل عن صحابي ، ولا قال به قط ، أي أن التعليل محرّم إذ لم ينصّ عليه الشرع ، أما إذا نصّ عليه فيكون حجّة متّبعة ».
وقال ابن حزم أيضا في ردّ المستدلّين بالقياس ، بقوله تعالى : ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ ) [ الحشر : ٢ ] ، وقوله تعالى : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [ يس : ٧٨ ] ما نصّه : ـ « بأن قوله تعالى : ( فَاعْتَبِرُوا ) جاء بعد قوله : ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ) [ الحشر : ٢ ] فلو كان معنى اعتبروا قيسوا لكان أمر الناس بأن نخرب بيوتنا كما خرّبوا بيوتهم ، أما قوله : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ ) فدليل على إبطال القياس ؛ لأن الإنشاء الأول للاختبار والإنشاء الثاني للجزاء والخلود ، فالله سوّى بين هذا وذاك بالقدرة وفرّق بين أحكامها ».
وتقول الإمامية : إنما يصلح القياس في الأمور العادية والأحكام العرفية ، أما الأحكام الشرعية فلا يصح فيها القياس ؛ لأن مبنى الشرع على تفريق المجتمعات وجمع المتفرقات ، فتراه في الوضوء سوّى بين البول والغائط والنوم ، فجمع بين المختلفات وأعطاها حكما واحدا وهي كونها ناقضة للوضوء ، وتراه في الحدّ فأمر بقطع يد من سرق ربع دينار دون من غصب مئات الألوف ، وحرّم صوم يوم عيد الفطر مع أنه أمر بوجوب صوم ما قبله وندب إلى صوم ما بعده ففرق بين المجتمعات ، وهناك الكثير من هذا القبيل في أبواب الفقه ما لا يحصى ولا يعدّ.
ويقولون أيضا : إن دين الله لا يصاب بالعقول ، فليس لأيّ إنسان مهما بلغ من العقل والعلم أن يستخرج من هوى نفسه عللا وأسبابا يسندها إلى الله من غير نصّ من الشارع العالم بالأسباب الخفية والمصالح الكامنة ، لا سيّما إذا لا حظنا قوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) [ النساء : ١٦٠ ]