__________________
ثم يقال له : ما هي تلك الحاجة في أنفسهم التي دعتهم إلى هذا الاختلاف في دينهم والتضارب في آرائهم ، مع أن المفروض بهم أن يكونوا واحدا قولا وفتوى وعقيدة ، لأن هذا هو الدين الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمره أن يدعو الناس إليه ، اللهم إلاّ أن تكون تلك الحاجة التي في أنفسهم هي حبّ الظهور في مخالفة الشريعة والانحراف عن الوصيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذين أمرهم الله تعالى على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتمسك بهم والرجوع إليهم والاقتداء بهم في كلّ أمر ونهي ، كما دلّت عليه نصوص الفريقين المتواترة ، وإن قال : إن الدين كان تاما محفوظا ، فيقال له : فأيّ شيء يا ترى ضاع منهم هو غير الدين وشريعة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى فتشوا عنه ووجدوا في الحصول عليه واختلفوا لأجله هذا الاختلاف؟ فإن قال : قد اختلفوا من غير حاجة بهم إلى الاختلاف ، فقد شهد عليهم أنهم أرادوا به تشويه سمعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقبيح ذكره وتزهيد الناس في اتباع شريعته الحقّة ، وأن يدخلوا في دينه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما لم يكن داخلا فيه ويخرجوا ما كان داخلا فيه ، فكيف يجوز الاقتداء في الدين بمن كان متصفا بهذه الصفات ، فإن قال : إنهم أعرف بالشريعة من الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن لهم أن يزيدوا فيه وينقصوا منه ويدخلوا فيه ويخرجوا منه ما شاءوا ، وأنهم أتوا بما لم يأت به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من الهداية فقد خالف بذلك عقول العقلاء ، وناقض به مذاهب جميع الأنبياء عليهمالسلام ويلزمه أن يقول : إنهم أعلم من الله بنفسه وهذا هو الكفر بعينه.
ثم يقال له : إذا كان هؤلاء الأئمة في أزمان متفرقة وعلى مذاهب مختلفة فلا يصح أن يكونوا جميعا على الحقّ والصواب ، لأن الحق والضلال لا يجتمعان في واحد ، كما يقول القرآن : ( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) ولما ذا لا يكونون جميعا على الباطل مع أن ترجيح واحد منها على غيره هو ترجيح بلا مرجح وهو باطل يوجب بطلان ما عداه من المذاهب الثلاثة ، ويكون الحقّ مع من كان قبلهم من الصحابة والتابعين الّذين صحبوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والتزموا بشريعته واتبعوا التي هي طريقة واحدة ، ولم يتعبّدوا بواحد من هذه المذاهب الأربعة المتأخرة عن عصرهم وهم خير القرون كما يزعمون.
فاتباع أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم العظام عليهمالسلام وأصحابه الكرام إن لم يكن هو المتعيّن وأحق بالاتباع فلا أقلّ من الحكم بالمساواة بينهم وبين الأربعة ، وهذا ما يوجب بطلان تعيين الرجوع إلى خصوص الأربعة وتحريم غيرها من المذاهب ، ثم يقال له : لما ذا لا تكون المذاهب لو صح وجودها في الإسلام أكثر عددا أو أقل من أربعة؟ ومن هذا الّذي حدّد هذا التحديد وجعل أئمة المذاهب أربعة لا يزيدون واحدا ولا ينقصون؟ وليس لهذا التحديد في القرآن أثر ولا في شريعة سيّد الأنام صلىاللهعليهوآلهوسلم خبر كما ليس في أدلة المسلمين ما يدل على اختصاص الاجتهاد واستنباط الأحكام ومعرفة الحلال والحرام بالدليل بخصوص أرباب هذه المذاهب.
وكيف يصح لمن له عقل أو شيء من الدين أن يزعم أن علوم الاجتهاد قد انمحت ودرست معالمها عند جميع المسلمين لا سيّما عصر الصحابة والتابعين الّذين لم يتدينوا بشيء من هذه المذاهب إلى السنّة المذكورة إلاّ عند هؤلاء الأربعة؟ أو يزعم أن عقول المسلمين كلّهم إيفت وأفهامهم عقمت إلاّ عقول الأربعة وأفهامهم؟ أو أن المسلمين قبل وجود أصحاب هذه المذاهب وبعد انقراضهم ليس فيهم من يعرف حكم الله بدليله ويقوم لله بحجته غير الأربعة؟ فهل يصح لعاقل أن يزعم أنهم كانوا ورثة ـ