__________________
الأنبياء عليهمالسلام أو ختم الله بهم الأوصياء وعلّمهم علم ما كان وما يكون ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، فاختصت علوم الشريعة بكتابها وسنّتها بهم ، حتى صارت ملكا من أملاكهم إلاّ ما يهبه هؤلاء لغيرهم ، ولو فرضنا جدلا أن علوم الاجتهاد قد انمحت عند جميع المسلمين وخاصة أهل القرون الثلاثة ، وفرضنا أنه لا يوجد فيهم من يعرف حكم الله بدليله ما عدا الأربعة ، فكيف يا ترى كان عملهم من ذي قبل؟ بل وكيف كان عمل الأربعة قبل بلوغهم رتبة الاجتهاد؟ فما بقي إلا أنهم كانوا جاهلين بأدلة الدين في تلك القرون الكثيرة وأعمالهم كلّها كانت باطلة ، لأنهم لم يتعبدوا قطعا بشيء من هذه المذاهب ، وهذا لا يذهب إليه إلاّ مجنون.
فإن زعم الآلوسي قيام الإجماع من المتأخرين على هذا التحديد بالأربعة ، فيقال له : أولا : إن قيام الإجماع في العصور الأولى وما بعدها إلى السنة المذكورة على جواز الرجوع إلى غير الأربعة حتى من الأربعة هو الحجّة على من تأخر عن ذلك العصر لقربهم من عصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعد هؤلاء عنه فلا حجّة في إجماع المتأخرين مطلقا فكيف إذا صادمه إجماع أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتابعين وتابعيهم ، وهم أعرف بالأحكام من هؤلاء لوجودهم قرب الباب الحقيقي والينبوع الأصليّ وهو النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثانيا : إن إجماع المتأخرين لا حجّة فيه ، لأنه لا ينطبق عليه الإجماع المعتبر شرعا وذلك فإن معناه اتفاق مجتهدي الأمة وهؤلاء المتأخرون لا مجتهد فيهم ، بل كلّهم مقلّدون للأربعة ، فإن كانوا مجتهدين فقد أبطلوا مذهبهم ، وإن كانوا غير مجتهدين فلا قيمة لإجماع العوام الجهال.
ثالثا : لو فوضنا جدلا التعارض بين الإجماعين إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى زمن الأئمة الأربعة وما بعده على جواز الاجتهاد مطلقا ، وإجماع المتأخرين جميعا على منعه بعدهم ، وقطعنا النظر عن ترجيح إجماع الصحابة بما فيهم أصحاب المذاهب لإجماعهم على حجّية إجماعهم واختلافهم في غيره ، كلّ ذلك على سبيل التساهل معهم كان نصيب الإجماعين السقوط شأن المتعارضين مع انتفاء المرجح لأحدهما المعيّن ، وحينئذ يجب الرجوع إلى غيره من أدلة المسلمين ، وقد نظرنا فيها فوجدناها حاكمة بجواز الاجتهاد مطلقا وبطلان التقليد والأخذ بقول الآخرين مع التمكن من تحصيله بالاجتهاد ، ولو لم تكن حاكمة بجوازه مطلقا لحرّم الاجتهاد على الأئمة الأربعة لا خصوص غيرهم ، وقديما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( حلال محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ) وإن قالوا إن المانع من الاجتهاد هو إجماع أصحاب المذاهب نفسها على تحريمه ، فيقال لهم : إن ذلك باطل من وجوه.
الأول : إن الإجماع : هو اتفاق أمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أو مجتهدي الأمة جميعا على أمر أو أمور في وقت واحد كما صرح به الآمدي في كتاب الأحكام ، وعضد الملّة في شرحه لمختصر ابن الحاجب وغيرهما من علماء الأصول عند أهل السنّة ، وطبيعي أن الأئمة الأربعة كانوا في أزمان مختلفة وأماكن متعددة ، وخاصة إذا لاحظنا أنه لم يرد عنهم في خبر أنهم أجمعوا على تحريمه.
الثاني : لا يجوز الأخذ بفتواهم شرعا مطلقا ولا السؤال منهم أبدا ؛ وذلك لأن الله تعالى أمر بالسؤال من أهل الذكر ، بقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) كما في آية (٤٣) من سورة النحل ، وهؤلاء لم يكونوا من أهل الذكر قطعا فلا تشملهم الآية ، أما عدم كونهم من أهل الذكر فلعدم ـ