عن القتال. وهو عند فرط الغضب لأجل العصبيّة الدينيّة ذهل عن هذا ، فأسند ذهوله عنه إلى الشيطان.
وذكر علم الهدى قدسسره في توجيهه وجهين : «أحدهما : أنّه أراد أن تزيين قتلي له ، وتركي لما ندبت إليه من تأخيره ، وتفويتي ما استحقّه عليه من الثواب ، من عمل الشيطان.
والآخر : أنّه يريد أنّ عمل المقتول من عمل الشيطان. يبيّن موسى عليهالسلام بذلك أنّه مخالف لله ، ومستحقّ للقتل» (١).
ثمّ ذمّ الشيطان بقوله : (إِنَّهُ عَدُوٌّ) لبني آدم (مُضِلٌّ مُبِينٌ) ظاهر الإضلال والعداوة.
ثمّ حكى سبحانه أنّ موسى حين قتل القبطيّ ندم على ترك فعل الندب ، فقال : (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتله ، فإنّهم لو علموا بذلك لقتلوني (فَاغْفِرْ لِي) فاقبل منّي الانقطاع إليك ، والقربة والطاعة إليك ، ولا تحرمني عن الثواب الّذي يترتّب على فعل الندب. كما قال المرتضى قدسسره : «إنّما قاله على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والاعتراف بالتقصير عن حقوق نعمه ، أو من حيث إنّه حرّم نفسه الثواب المستحقّ بفعل الندب» (٢). أو المعنى : فاسترني عن نظر أعدائي ، كيلا يقتلوني لأجل إعانتي أولياءك ، فإنّ الغفران بمعنى الستر.
(فَغَفَرَ لَهُ) فقبل منه هذا الانقطاع ، وأعطاه ثواب فعل الندب ، أو صرف عنه كيد الأعداء (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لعباده (الرَّحِيمُ) بهم ، المنعم عليهم.
(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) قسم محذوف الجواب ، أي : أقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة وغيرها ، لأتوبنّ عن ترك الندب (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) معينا
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ٦٨.
(٢) تنزيه الأنبياء : ٦٨.