في التفهّم والاستبصار.
(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) مقدّر بـ «أن» المصدريّة. أو الفعل فيه منزّل منزلة المصدر ، كقولهم : تسمع بالمعيدي (١) خير من أن تراه. أو صفة لمحذوف ، تقديره : آية يريكم بها البرق. (خَوْفاً) من الصاعقة ، أو من أن يخلف فلا يمطر (وَطَمَعاً) في الغيث. وقيل : خوفا للمسافر ، وطمعا للحاضر.
ونصبهما على العلّة لفعل يلزم المذكور ، فإنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم. أو الفعل المذكور على تقدير مضاف ، نحو إرادة خوف وطمع. أو تأويل الخوف والطمع بالإخافة والإطماع. فلا يرد : أنّ من حقّ المفعول له أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلّل ، والخوف والطمع ليسا كذلك. ويجوز أن يكونا حالين ، أي : خائفين وطائعين ، مثل : كلّمته شفاها.
(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها ، وكيفيّة تكوّنها ، ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) أي : قيام السماوات والأرضين واستمساكهما بغير عمد لهما بأمره لهما بالقيام ، بأن قال لهما : كونا قائمتين ، لقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).
وقيل «بأمره» أي : بفعله وإمساكه. والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة ، والغنى عن الآلة ، لأنّه أبلغ في الاقتدار ، فإنّ قول القائل : أمر فكان ، أبلغ في الدلالة على الاقتدار من أن يقول : فعل فكان. ومعنى القيام الثبات والدوام ، كما يقال :
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «معيدي تصغير معدّيّ ، فاجتمع التشديدان فخفّف. منه». انظر الصحاح ٢ : ٥٠٦.
(٢) النحل : ٤٠.