(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) وما جعل الدعوة والبنوّة في رجل. والأدعياء جمع دعيّ ، فعيل بمعنى مفعول. وهو الّذي تبنّاه الإنسان. وجمع على أفعلاء شذوذا ، لأنّ قياس باب أفعلاء لا يكون إلّا ما كان منه بمعنى فاعل ، كتقيّ وأتقياء ، وشقيّ وأشقياء ، فشبّه بفعيل بمعنى فاعل.
وتحرير المعنى : أنّ الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين ، لم ير أيضا أن تكون المرأة الواحدة أمّا لرجل زوجا له ، لأنّ الامّ مخدومة مخفوض لها جناح الذلّ ، والزوجة مستخدمة متصرّف فيها بالاستفراش وغيره ، كالمملوكة ، وهما حالتان متنافيتان. وأن يكون الرجل الواحد دعيّا لرجل وابنا له ، لأنّ البنوّة أصالة في النسب وعراقة فيه ، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير ، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل.
وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة ، سبي صغيرا ، وكانت العرب في جاهليّتها يتغاورون ويتسابون ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمّته خديجة ، فلمّا تزوّجها رسول الله وهبته له. ولمّا نبّئ صلوات الله عليه وآله دعاه إلى الإسلام فأسلم. فقدم أبوه حارثة مكّة ، وأتى أبا طالب ، وقال : سل ابن أخيك ، فإمّا أن يبيعه ، وإمّا أن يعتقه. فلمّا قال ذلك أبو طالب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هو حرّ فليذهب حيث شاء.
فأبى زيد أن يفارق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال حارثة : يا معشر قريش! اشهدوا أنّه ليس ابني. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اشهدوا أنّه ابني. يعني : زيدا. فكان يدعى زيد بن محمّد. فلمّا تزوّج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم زينب بنت جحش ، وكانت تحت زيد بن حارثة ، قال اليهود والمنافقون : تزوّج محمّد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها. فقال الله تعالى : (ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).