(وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) إن كان فيه ما يخشى. والواو للحال. وليست المعاتبة على الإخفاء وحده ، فإنّه حسن ، بل على الإخفاء مخافة ما قاله الناس ، وإظهار ما ينافي إضماره ، فإنّ الأولى في أمثال ذلك أن يصمت أو يفوّض أمره إلى الله ، ولا يقول : أمسك عليك زوجك مخافة الناس.
روي عن عليّ بن الحسين عليهالسلام : إنّ الّذي أخفاه في نفسه هو أنّ الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه. فقال : لم قلت أمسك عليك زوجك ، وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك».
وهذا التأويل مطابق للآية. وذلك أنّه سبحانه أعلم أنّه يبدي ما أخفاه ، ولم يظهر غير التزويج ، فقال : (زَوَّجْناكَها). فلو كان الّذي أضمره محبّتها أو إرادة طلاقها لأظهر الله تعالى ذلك ، مع وعده بأنّه يبديه. فدلّ ذلك على أنّه إنّما عوتب على قوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) مع علمه بأنّها ستكون زوجته ، وكتمانه ما أعلمه الله به ، حيث استحيا أن يقول لزيد : إنّ الّتي تحتك ستكون امرأتي.
وقال البلخي : ويجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه : إنّ النبيّ استحسنها ، فتمنّى أن يفارقها زيد فيتزوّجها. وكتم ذلك ، لأنّ هذا التمنّي قد طبع عليه البشر ، ولا حرج على أحد في أن يتمنّى شيئا استحسنه.
ولم يرد بقوله : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) خشية التقوى ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتّقي الله حقّ تقاته ، ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه. ولكنّه أراد خشية الاستحياء ، لأنّ الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة ، كما قال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ.) (١) (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) حاجة ، وتقاصرت عنها همّته ، وطابت عن مفارقتها ، ولم يبق في قلبه ميل إليها ، ووحشة من فراقها ، فإنّ معنى القضاء هو
__________________
(١) الأحزاب : ٥٣.