وعن الشعبي قال : كانت زينب تقول للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّي لأدلّ (١) عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدلّ بهنّ : جدّي وجدّك واحد ، وإنّي أنكحنيك الله في السماء ، وإنّ السفير لي جبرئيل عليهالسلام. فكانت تفتخر على سائر نساء النبيّ وتقول : زوّجني الله من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنتنّ إنّما زوّجكنّ أولياؤكن.
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ) من إثم وضيق (فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) قسّم له وقدّر. من قولهم : فرض له في الديوان. ومنه : فروض العسكر لأرزاقهم ، أي : فيما أحلّ الله له ، بل أوجب الله عليه. (سُنَّةَ اللهِ) اسم وضع موضع المصدر. وكأنّه قيل : سنّ الله ذلك سنّة. (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأنبياء الماضين. وهو أن لا يحرّج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ، ووسّع عليهم في باب النكاح وغيره. وقد كانت تحتهم المهائر (٢) والسراري. وكان لداود مائة امرأة ، ولسليمان ثلاثمائة امرأة ، وسبعمائة سرّيّة. (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) قضاء مقضيّا ، وحكما مبتوتا.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) صفة لـ (الَّذِينَ خَلَوْا) أو مدح لهم ، منصوب أو مرفوع. والمعنى : الّذين يؤدّون أحكام الله إلى من بعثوا إليهم ، ولا يكتمونها.
(وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) فيما يتعلّق بالأداء والتبليغ. وهذا تعريض بعد تصريح. وفي ذلك دلالة على أنّ الأنبياء لا يجوز عليهم التقيّة في تبليغ الرسالة.
فإن قلت : فكيف قال لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَتَخْشَى النَّاسَ).
قلت : لم يكن ذلك فيما يتعلّق بالتبليغ ، وإنّما خشي عليهالسلام المقالة القبيحة فيه. والعاقل كما يتحرّز عن المضارّ يتحرّز من إساءة الظنون به. والقول السيّء فيه ، ولا يتعلّق شيء من ذلك بالتكليف.
__________________
(١) لأدلّ من الدلال بمعنى : التدلّل والتلطّف والافتخار.
(٢) جمع المهيرة ، وهي الحرّة الغالية المهر. والسراري جمع السّريّة ، وهي الأمة الّتي تقام في بيت.