الفرّاء : اليمين بمعنى القوّة والمتانة. وقيل : معناه : بسبب الحلف. وهو قوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (١).
(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) إلى إبراهيم بعد ما رجعوا من عيدهم ، فرأوا أصنامهم مكسّرة ، وبحثوا عن كاسرها ، فظنّوا أنّه كاسرها ، فقالوا : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) (٢) (يَزِفُّونَ) يسرعون. من زفيف النعام. وقرأ حمزة على بناء المفعول ، من أزفّ إذا دخل في الزفيف ، أو من أزفّه إذا حمله على الزفيف ، أي : يحمل بعضهم بعضا على الزفيف.
(قالَ) على وجه الحجاج عليهم (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ما تنحتونه من الأصنام. والهمزة للإنكار والتوبيخ ، أي : كيف يصحّ أن يعبد الإنسان ما يعمله؟
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) أي : ومادّة ما تعملونه ، فإنّ جوهرها بخلقه ، وإن كان شكلها بفعلهم. وهذا كما يقال : عمل النجّار الباب والكرسيّ ، وعمل الصائغ السوار والخلخال. والمراد عمل أشكال هذه الأشياء وصورها ، دون جوهرها ومادّتها.
فالله خالق جواهر الأصنام ، وهم عاملوا أشكالها ، أي : مصوّروها ومشكّلوها بنحتهم.
وليس لأهل الجبر تمسّك بهذه الآية على أنّ الله خالق لأفعال العباد ، فإنّ من المعلوم أنّ الكفّار لم يعبدوا نحتهم الّذي هو فعلهم ، وإنّما كانوا يعبدون الأصنام الّتي هي الأجسام. وقوله : «وما تعملون» ترجمة عن قوله : «ما تنحتون». فلأجل الطباق يجب أن يكون «ما» في «ما تعملون» أيضا موصولة ، فالعدول بها إلى المصدريّة ـ كما قالت المجبّرة ـ تعسّف. وأيضا قد أضاف العمل إليهم بقوله : «تعملون» ، فكيف يكون مضافا إلى الله تعالى؟ وهذا تناقض.
ولمّا لزمهم الحجّة (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) في النار
__________________
(١) الأنبياء ، ٥٧ و ٦٢.
(٢) الأنبياء ، ٥٧ و ٦٢.