الشهيد الثاني الإجماع (١) ، وإلّا فالذي تقتضيه الأُصول المتقدّمة المستفادة من تتبّع الأقوال والأخبار ، وأنّ الأصل في الصلاة التمام كما يستفاد من الغلبة واستصحاب حال المكلّف وأهليّته لذلك ؛ أنّه يتمّ حتّى يريد مسافة تامّة ، وهو الظاهر من الأكثر.
والذي يقتضيه عموم ما دلّ على أنّ المسافر يقصّر من الآية (٢) والأخبار الكثيرة (٣) سيّما مع حصول القصد إلى المسافة المعتبرة ابتداء ، أنه يقتصر في التمام فيما دلّ عليه الدليل في حال الإقامة ، فيبقى الباقي تحته ، فيلزمه القصر وإن لم يكن الباقي مقدار المسافة ، وهو ظاهر بعضهم (٤).
ويظهر من آخر التفصيل ، فيتمّ ذاهباً لعدم قصد المسافة الجديدة ، ويقصّر ائباً ، لكون مقصده الرجوع إلى بلده في الجملة مع عدم قصد الإقامة. واختلف كلامه في ذلك المكان الذي يذهب إليه ، ونظره إلى عدم انضمام الذهاب إلى الإياب كما هو ظاهر الأكثر (٥). وقد أشرنا سابقاً إلى الكلام في نظيره وأنّه غير ظاهر الوجه ، إلّا أنّ يكون إجماعاً كما ادّعاه الشهيد الثاني (٦) ؛ وهو غير معلوم كما بيّناه.
ومما ينادي بفساد دعوى هذا الإجماع ما نقله هو رحمهالله عن الشيخ في المبسوط ، وعن المتأخّرين التابعين له في هذه المسألة.
وهذا لفظ الشيخ : إذا خرج حاجّاً إلى مكّة وبينه وبينها مسافة تقصّر فيها الصلاة ونوى أن يقيم عشراً قصّر في الطريق ، فإذا وصل إليها ، أتمّ ، وإن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد مقام عشرة أيّام إذا رجع إلى مكّة كان له القصر ، لأنّه نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصّر في مثله ، وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة
__________________
(١) روض الجنان : ٣٩٩.
(٢) النساء : ١٠١.
(٣) الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١.
(٤) مجمع الفائدة ٣ : ٤٤٢.
(٥) الدروس ١ : ٢١٤.
(٦) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني) : ١٧٤.