وأما إطلاق كثير من أهل العرف الوطن على المولد أو مقرّ الإباء مع حصول الاستمرار فيه مدّة معتدّاً بها وإن انقطعت علاقته عنه فهو مجاز أو اصطلاح خاصّ.
فإن سلّمنا كونه حقيقة فيه ؛ فيكون اللفظ مشتركاً ، لأن كون الإطلاق على غيره مما أخذه وطناً واستمرّ فيه مدّة ثمّ انقطعت علاقته عنه حقيقة غير مسلّم ، بل هو مجاز ، لما بيّنا ، بل الظاهر كون الأوّل أيضاً مجازاً ، لأن المتبادر هو محلّ السكون بالفعل ، والمجاز خير من الاشتراك.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الأصحاب اتفقوا على أنّ الوصول إلى الوطن قاطع للسفر في الجملة ، واشتهر بينهم أنّ الوصول إلى ضيعة له أو قرية له أقام بها ستّة أشهر يكفي في ذلك ؛ وإن كان قبل عشر سنين ، بل ادّعى الشهيد الثاني (١) والعلامة (٢) الإجماع على ذلك.
وبعضهم كالفاضلين صرّح بأن ذلك يوجب إطلاق الوطن عليه عرفاً (٣).
وبعضهم كالشهيد في الذكرى صرّح بأن هذا وطن شرعي (٤).
وفيما ذكروه أُمور :
الأوّل : منع الإطلاق العرفي بمجرد المقام ستّة أشهر ، بل لا بد من قصد المقام مستمرّاً.
والثاني : إنه لا يكفي في تحقّقه حصوله في الماضي مع انقطاعه.
والثالث : إنه لم تثبت حقيقة شرعية في ذلك.
والرابع : إنّ ما استدلّوا به عليه من الأخبار لا دلالة فيها على ما ذكروه.
وغاية توجيه كلامهم أنّهم فهموا من ذلك حقيقة شرعيّة ، أو كان مرادهم أنّه قَصَدَ
__________________
(١) روض الجنان : ٣٨٦.
(٢) التذكرة ٤ : ٣٩٠.
(٣) المعتبر ٢ : ٤٦٩ ، المنتهي ١ : ٣٩٣.
(٤) الذكرى : ٢٥٧.