مسكنه في موضع آخر ، فلما كان تعدّد الموطن والمسكن نادراً لأهل الأمصار ، واعتباره موهماً لاعتبار أمرٍ آخر من الشارع سأل الراوي عن الاستيطان ، فأجاب عليهالسلام أيضاً بما يوافق العرف في صورة التعدّد أيضاً. ونظائر هذا السؤال كثيرة ، مثل السؤال عن الكرّ ونحوه.
فالمراد والله وقائله أعلم هو التمثيل ، لا اعتبار نفس الستّة بالخصوص ، يعني إذا كان يقيم في كلّ سنة ستّة أشهر فهو وطنه ، كما يظهر من تفسير الصدوق في الفقيه (١) ، وتبعه جماعة منهم الفاضلان المحقّقان صاحب المنتقى وصاحب المدارك ، بل ادّعى في المدارك تصريح الخبر بذلك (٢).
فعلى هذا فيكفي في ذلك العزم على الإقامة ستّة أشهر أو أقلّ أو أكثر في كلّ سنة في مكان مع تأسيس منزل ومسكن فيه مثلاً مع الشروع فيه وحصول الاستقرار في الجملة ، ولا يجب إتمام الستّة أشهر كالبلد الواحد.
ولا يضرّ في ذلك عدم حصول الإقامة في أحد السنوات بسبب سفر أو عارض آخر إذا لم يتغيّر أصل العزم ، فاعتبار ذلك ليس باعتبار مضيّ ستّة أشهر فيه ، بل باعتبار فعليّة العزم وحصول شيء من الفعل.
وبالجملة حكمه مستمرّ ما لم تنقطع عنه العلاقة ويتغيّر العزم.
فليس في أخبار اعتبار الاستيطان ما يدلّ على المشهور.
نعم في صحيحة سعد بن أبي خلف قال : سأل عليّ بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليهالسلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : «إن كان مما قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان مما لم يسكنه فليقصّر» (٣) وهو لا يتمّ مذهبهم ، لعدم الدلالة على الستّة أشهر ، والجمع بينها وبين صحيحة
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٨.
(٢) منتقى الجمان ٢ : ١٧٤ ، المدارك ٤ : ٤٤٤.
(٣) التهذيب ٣ : ٢١٢ ح ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ ح ٨١٩ ، الوسائل ٥ : ٥٢٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٩.