والحاصل أنّ طريقة فهم أهل العرف لا تقتضي إلّا ما ذكرنا ، وبذلك يخرج عن صدق المسافر أيضاً ، فيجب عليه التمام بذلك.
استدلّ الأصحاب بصحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته ، فقال : «لا بأس ما لم ينوِ مقام عشرة أيّام ، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت : ما الاستيطان؟ فقال : «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر ، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها» (١).
وأنت خبير بأنّه لا دلالة فيها على ما ذكروه ، فإنّ المضارع لا دلالة له على الماضي بوجه.
وحينئذٍ فتطبيق الرواية على المختار هو أن يقال : الظاهر من لفظ الاستيطان في الأخبار الصحاح أخذ الضيعة وطناً ، ومعناه عرفاً هو ما تقدّم ، فانطباق تفسير الإمام عليهالسلام مع ظاهر لفظ الاستيطان إنّما هو بجعل «يقيم» مفيداً للتجدّد ، كما هو الظاهر من المضارع ، والموافق للاستمرار المعتبر في معنى الوطن عرفاً ، والاستمرار العرفي يحصل بجعلها أحد الموطنين ، بل أحد المواطن ، فيصدق على الأعراب والأكراد الذين لهم رحلتان في الصيف والشتاء ولهم منزلان فيهما أنهما وطن لهما ، بل على من له أربع زوجات في أربعة مواضع ، وله فيها أربع منازل يقوم في كلّ منها فصلاً في طول السنة أنّ له مواطن أربع ، وهذا ممّا يشهد به الوجدان ، ولا يثبت بمجرّد هذه الرواية حقيقة شرعيّة فيما ذكروه.
ولا يوجب سؤال الراوي عن حقيقة الاستيطان مع كونه من أهل العرف واللسان علمه بأنّ الشارع وضع الوطن لمعنى جديد في الجملة لكن لا يعرفه بالخصوص ، فإنّ الظاهر أنّ سبب السؤال هو حصول الاشتباه في أفراد المعنى العرفي ، فإنّ من الظاهر أنّ المسئول عنه في هذه الأخبار هو الورود في الضيعة والقرية والمنزل مع كون
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٨ ح ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ ح ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ ح ٨٢١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١١.