انضباطها ، سيّما الأرياح وحركة القمر ، وخصوصاً في العلامات المرويّة ، فإن جعل الإمام عليهالسلام الجدي علامة من دون تحديد حال ارتفاعه وانخفاضه مع تفاوت أوساط العراق أيضاً وتفاوت طريق مكّة أيضاً يظهر لك أنّه لا مناص عن اعتبار الجهة ، ويظهر لك وسعة دائرة أمر القبلة ، وتسهيل الأمر فيها.
وقال في الذكرى : إنّ تلك الأمارات أكثرها مأخوذة من علم الهيئة ، وهي مفيدة للظنّ الغالب بالعين ، وللقطع بالجهة (١).
ولا أدري ما أراد بالعين والجهة ، فإن أراد بالظنّ الغالب بالعين الظن باتصال خطّ مستقيم خارج عن موقف المصلّي لو فرض إخراجه إلى أصل البيت ، وبالجهة ما ذكره قبل ذلك حيث قال : «إنّ المراد بالجهة السمت الذي يظنّ كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة إنّ الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس ، والمشرق قبلة لأهل المغرب ، وبالعكس ، لأنّا نتيقّن بالخروج هنا عن القبلة ، وهو ممتنع ، انتهى» (٢) ، فنقول : لا ريب أنّ الظنّ الغالب بذلك غير ممكن ، إذ الصفّ المستطيل المستقيم الذي بمقدار ألف نفر ، بل وكلّ من يحاذي المصلّي في جانب طول البلد إلى فراسخ كذلك يستحيل حصول الظن بذلك (لكلّ واحد منهم ، فضلاً عن الظن الغالب ، بل يستحيل حصول ذلك الظنّ) (٣).
وإن أراد من العين محاذات جهة العين كما يحاذي الهلال ألف ألف نفر ، وكلّهم يصدق عليهم أنّهم محاذون له عُرفاً ، فإنّ الشيء الصغير كلّما ازداد القوم عنه بعداً ازدادوا محاذاة ، فحصول الظنّ الغالب بذلك مسلّم ، ولكن لا يبقى لمعنى الجهة شيء يقابل ذلك بعد ما ذكرنا سابقاً ، إلّا أن يريد بها ما أراده بعض العامة كما نقله العلامة (٤) ، وهو موجب للتهافت والإلغاز ، اللهم إلّا أن يريد الظنّ في بادئ النظر
__________________
(١) الذكرى : ١٦٢.
(٢) الذكرى : ١٦٢.
(٣) ما بين القوسين ليس في «ص».
(٤) التذكرة ٣ : ٧ ، قال : الجهة يريد بها هنا ما يظنّ أنّه الكعبة ، حتّى لو ظنّ خروجه عنها لم تصحّ.