تعالى لم يرفع القلم عنه ـ : بأنّ مقتضى عموم أدلّة التكاليف المشروطة بالإسلام أو بالطهور ، ووجوب الإسلام على كلّ مكلّف : شمولها للمرتدّ ، فيجب أن يكون الإسلام في حقّه ممكنا ، والرواية الدالّة على أنّه لا توبة للمرتد (١) بعد تسليم ظهورها في المدّعى لا تصلح قرينة لصرف هذه الأدلّة ، وتخصيصها بغير المرتدّ ، فإنّ التصرّف فيها بحملها على المعنى الذي تقدّمت الإشارة إليه أهون من تخصيص هذه الأدلّة.
وقد يقال بشمول هذه الأدلّة للمرتدّ مع الالتزام بتعذّر إسلامه ، بدعوى أنّ توجيه الخطاب إليه من قبيل التكليف الصوري الذي أريد به التسجيل وإثبات العقاب عليه.
وفيه : مع أنّه من أبعد التصرّفات ، يرد عليه : أنّه لا يعقل التسجيل وإثبات العقاب بإيجاب الممتنع ، لكونه معذورا في الامتثال ، وإنّما يعقل ذلك فيما إذا كان المأمور به في حدّ ذاته مقدورا للمكلّف ولم يكن المكلّف ممتثلا ، فحينئذ قد يقصد الآمر بطلبه ـ مع علمه بأنّ المأمور لا يمتثل ـ إتمام الحجّة للتسجيل وإثبات العقاب ، فلا يقصد بطلبه في الفرض إلّا التكليف الحقيقي المقصود به الإلزام بالفعل ووجوب إيجاده ، ولا ينافيه علمه بأنّ العبد لا يمتثل ، فلو ندم العبد وعزم على الامتثال ، أو فرض كون المولى مخطئا في اعتقاده ، يأتي العبد بالفعل المأمور به بقصد امتثال أمره ، فليس التكليف في الفرض صوريّا ، كما لا يخفى على المتأمل.
__________________
(١) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٠٧.