وممّا يقرّر الشبهات ويؤكّدها : خلوّ الأخبار عن التعرض لهذا الحكم ، مع قضاء العادة بأنّه لو كان المتنجّس منجّسا على الإطلاق ، لشاع التصريح به وبلوازمه في الأخبار ، ولكان من أهم المسائل التي يسأل عنها الرواة ما يتفرع على هذه المسألة ، مع أنّا لم نجد في الأخبار ما وقع فيها السؤال عن حكم ملاقيات المتنجّس ، عدا الأخبار ـ التي تقدّم بعضها ـ الدالّة على نفي البأس عنها.
ودعوى أنّ مغروسيّة الحكم في أذهانهم أغنتهم عن المسألة عن فروعها ، مدفوعة : بما نشاهد من حال العوام من أنّهم مع مغروسيّة السراية في أذهانهم لا زالوا يسألون عن فروعها التي يبتلون بها ، وكيف لا! مع أنّ كثيرا من فروعها العامّة الابتلاء ممّا يتحيّر فيها العقول ، فخلو الأخبار عن التصريح بهذا الحكم وعدم تعرّض السائلين للسؤال عن فروعها التي يعمّ الابتلاء بها ربما يورث القطع بعدم تحقّقه وعدم كون أمر النجاسة لديهم بهذه المرتبة من الضيق ، المعروفة عندنا.
والإنصاف أنّ ما قرّرناه من الشبهات وإن أمكن التفصّي عنها في الجملة ببعض التقريبات التي تقدّمت الإشارة إليها لكنّها مانعة من حصول القطع بمقالة المعصوم واستكشاف رأيه من اتّفاق العلماء بطريق الحدس خصوصا مع وهن الإجماع بمخالفة السيّد والحلّي ، فإنّه قد تمنع مخالفتهما من حصول الوثوق بمعروفيّة الحكم في عصرهم كمعروفيّته في هذه الأعصار ، فيغلب على الظنّ استقرار المذهب عليه في الأعصار المتأخّرة عن عصر الشيخ ، فلا يلزمه عادة وصول الحكم إليهم يدا بيد عن المعصوم ، أو عثورهم على دليل معتبر غير ما