إلى الكعبة ، قبلة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وأقدم القبلتين. وأدعى للعرب إلى الإيمان ولمخالفته اليهود. وذلك يدلّ على كمال أدبه ، حيث انتظر ولم يسأل.
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) : فلنمكّننّك من استقبالها ، من قولك : ولّيته كذا ، إذا صيّرته واليا له ، أو فلنحوّلنّك تلى (١) جهتها.
(تَرْضاها) : تحبّها. وتتشوّق إليها ، لمقاصد دينيّه ، وافقت مشيئة الله تعالى وحكمه.
والرّضا والمحبّة ، نظيران. ويظهر الفرق بأنّ ضدّ المحبّة ، البغض. وضدّ الرّضا ، السّخط.
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، أي : نحوه.
قال الشّاعر (٢) :
وقد أظلّكم من شطر ثغركم |
|
هول له ظلم يغشاكم قطعا |
أي : من نحو ثغركم وتلقاءه.
وقيل (٣). جانبه. لأنّ الشّطر في الأصل ، لما انفصل عن الشيء من شطر ، إذا انفصل. ودار شطوره (٤) : أي : منفصلة عن الدّور. ثمّ استعمل جانبه وإن لم ينفصل كالقطر.
وقيل (٥) : شطر الشيء (٦) ، نصفه من شطرت الشيء ، جعلته نصفين.
والحرام : المحرّم ، كالكتاب ، بمعنى المكتوب والحساب ، بمعنى المحسوب ، أي : محرّم فيه القتال ، أو ممنوع من الظّلم أن يتعرّضوه.
وذكر المسجد دون الكعبة ، لأنّ البعيد يكفيه مراعاة الجهة ، بخلاف القريب.
والنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان حينئذ في المدينة ، بعد أن صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرا. ثمّ وجّه إلى الكعبة ، في رجب ، بعد الزّوال ، قبل قتال بدر ، بشهرين ، وقد صلّى بأصحابه في مسجد بني سلمة ، ركعتين من الظّهر. فتحول في الصّلاة. واستقبل الميزاب. وتبادل الرّجال والنّساء صفوفهم. فسمى المسجد ، مسجد القبلتين.
(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) في الأرض ، في بر ، أو بحر ، أو سهل ، أو جبل ، في بيت المقدس ،
__________________
(١) أ : إلى. ر : يلي.
(٢) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٨٨.
(٤) المصدر : شطور.
(٥) مجمع البيان ١ / ٢٢٦.
(٦) المصدر : شطر كلّ شيء.