فافترساه. ولا تبقيا له عينا ولا أثرا.
فوثبت الصّورتان. وقد عادت أسدين. فتناولا الحاجب. ورضّاه. وهشّماه.
وأكلاه. ولحسا دمه. والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون. فلمّا فرغا أقبلا على الرّضا ـ عليه السّلام ـ وقالا له : يا وليّ الله في أرضه! ما ذا تأمرنا أن نفعل بهذا. أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ ـ يشير ان إلى المأمون.
فغشي على المأمون ممّا سمع منهما. فقال الرّضا ـ عليه السّلام : قفا.
فوقفا. ثمّ قال الرّضا ـ عليه السّلام : صبّوا عليه ماء ورد. وطيّبوه.
ففعل ذلك به. وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الّذي أفنيناه؟
قال : الى مقرّكما (١). فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه تدبيرا هو ممضيه.
فقالا : ما ذا تأمرنا؟
فقال : عودا إلى مقرّكما ، كما كنتما.
فعادا (٢) الى المسند. وصارا صورتين كما كانتا.
فقال المأمون : الحمد لله الّذي كفاني شرّ حميد بن مهران ، يعني : الرّجل المفترس.
ثمّ قال للرّضا ـ عليه السّلام : يا بن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذا الأمر لجدّكم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ لكم. ولو شئت لنزلت عنه لك.
فقال الرّضا ـ عليه السّلام : لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصّورتين ، إلّا جهّال بني آدم. فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فلله ـ عزّ وجلّ ـ فيه تدبير. وقد أمرني يترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهر من العمل من تحت يدك ، كما أمر يوسف (٣) من تحت يد فرعون مصر.
قال : فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ ما قضى.
وفي كتاب الخصال (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) (الآية) قال : أخذ
__________________
(١) «إلى مقركما» ليس في أ. وفي المصدر : لا. (ظ)
(٢) المصدر : فصاروا.
(٣) أ : كما أمر يوسف بالعمل.
(٤) الخصال ١ / ٢٦٤ ، ح ١٤٦.