فقال لا! ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ما وجب عليه شيء.
فرفع أبو ذرّ عصاه ، فضرب بها رأس كعب. ثمّ قال له : يا ابن اليهوديّة الكافرة! ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين؟ قول الله أصدق من قولك ، حيث قال (١) : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ، يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
فقال عثمان : يا أبا ذرّ! إنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك. ولو لا صحبتك لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقتلتك.
فقال كذبت ، يا عثمان! أخبرني حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : «لا يفتنونك يا أبا ذرّ! ولا يقتلونك» وأمّا عقلي فقد بقي منه ما أحفظ (٢) حديثا سمعته من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيك وفي قومك.
قال : وما سمعته (٣) من رسول الله فيّ وفي قومي؟
قال : سمعته (٤) يقول حديثا سمعته من رسول الله إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا ، صيّروا مال الله دولا ، وكتاب الله دغلا ، وعباده خولا ، والفاسقين حزبا ، والصّالحين حربا.
فقال عثمان : يا معشر أصحاب محمّد! هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله؟
فقالوا : لا! ما سمعنا هذا من رسول الله.
فقال عثمان : ادع عليّا.
فجاء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. فقال له عثمان : يا أبا الحسن! انظر ما يقول هذا الشّيخ الكذّاب.
فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام : مه ، يا عثمان! لا تقل كذّاب. فإنّي سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ، على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ.
فقال أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله : صدق أبو ذرّ. فقد سمعنا هذا من
__________________
(١) التوبة / ٣٤.
(٢) المصدر : أحفظه.
(٣) المصدر : فقال : وما سمعت.
(٤) المصدر : سمعت.