واستدل أهل الكوفة على أنّ النصب بالخلاف بأن قالوا : لو كان الثاني داخلا في معنى الأول من نهي أو نفي أو غير ذلك ، لكان معطوفا عليه بلا خلاف ، فلما كان الثاني مخالفا للأول نصب بالخلاف.
وهذا فاسد ، لأنّه لو كان الخلاف ناصبا لقلت : «ما قام زيد بل عمرا» ، فتنصب لمخالفة الثاني الأول.
وأيضا فإنّه ليس الثاني لمخالفة الأول بأولى من نصب الأول لمخالفة الثاني ، فيقال لهم : فلما انتصب الثاني ولم ينتصب الأول دلّ هذا على فساد مذهبكم ، وأنّ النصب بإضمار «أن» لما تعذّر عطف الثاني على الأول للمخالفة التي بينهما ، فعدل عن عطف الفعل على الفعل إلى عطف الاسم على المصدر المتوهم ، فنصب الفعل بإضمار «أن» ، و «أن» وما بعدها في تأويل المصدر ، وعطف هذا الاسم على المصدر المتوهم الدال عليه الفعل المتقدم.
فإذا قلت : «ما تأتينا فتحدّثنا» فكأنك قلت : لا يكون منك إتيان فحديث. وتنصب الفعل الذي بعد الفاء إذا كان مخالفا لما قبله ، وكان ما قبله امرا ، أو نهيا ، أو استفهاما ، أو تحضيضا ، أو عرضا ، أو دعاء ، أو نفيا. فإن كان ما قبله خبرا ، لم يجز النصب بعدها إلّا في ضرورة شعر ، أو نادر كلام ، نحو قول الشاعر [من الوافر] :
٥٤٢ ـ سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا |
__________________
٥٤٢ ـ التخريج : البيت للمغيرة بن حبناء في خزانة الأدب ٨ / ٥٢٢ ؛ والدرر ١ / ٢٤٠ ، ٤ / ٧٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥١ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٩٧ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٣٩٠ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٥ / ١٣٠ ؛ والرد على النحاة ص ١٢٥ ؛ ورصف المباني ص ٣٧٩ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٥ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥٥ ؛ والكتاب ٣ / ٣٩ ، ٩٢ ؛ والمحتسب ١ / ١٩٧ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٧٥ ؛ والمقتضب ٢ / ٢٤ ؛ والمقرب ١ / ٢٦٣.
المعنى : يقول : سأغادر منزلي تخلّصا من مجاورة بني تميم الذين لا يرعون حقّ الجار ، وأسكن الحجاز لعلّي أجد هناك راحة لنفسي.
الإعراب : سأترك : السين : حرف تنفيس ، أترك : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. منزلي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء ، وهو مضاف ، والياء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. لبني : اللام : حرف جرّ ، بني : اسم مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم. والجار والمجرور متعلّقان