وإذا نصبت أيضا كان له معنيان : أحدهما أن يكون نفي الإتيان ، فانتفى من أجله الحديث ، فكأنّه قال : «ما تأتينا فكيف تحدّثنا» ، أي : إنّ الذي يكون سببا للحديث إنّما هو الإتيان ، وأنت لم تأت فكيف تحدّث؟
والثاني أن يكون أوجب الإتيان ونفي الحديث كأنّه قال : ما تأتينا محدّثا بل تأتي غير محدّث.
وإن كانت الجملة المنفية التي قبل الفاء جملة اسمية ، جاز فيه بعد الفاء وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على معنى واحد من المعنيين وهو القطع ، ولا يجوز العطف لأنه لم يتقدم فعل فتعطف عليه ، والنصب على المعنيين المتقدمين ، نحو : «ما أنت أخونا فنكرمك».
فإن تقدم على الفاء جملة استفهام ، فلا يخلو من أن تكون فعلية أو اسمية. فإن كانت فعلية جاز فيها وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على العطف وعلى الاستئناف كما تقدّم ، والنصب على معنى واحد وهو أن تقدّر الفعل الأول سببا للثاني. فإذا قلت : «هل تأتينا فتحدّثنا»؟ فرفعته ، فأحد المعنيين : هل تأتينا فهل تحدّثنا؟ والمعنى الثاني الاستفهام عن الإتيان وإيجاب الحديث ، فكأنّك قلت : هل تأتينا ، ثم قلت : فأنت الآن تحدّثنا.
فإذا قلت : «فتحدّثنا» ، بالنصب فكأنّك قلت : هل يكون منك إتيان فيكون سببا للحديث؟
فإن كانت الجملة الاستفهامية اسمية ، جاز فيما بعد الفاء أيضا وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على القطع خاصة : لأنّه لم يتقدم فعل فتعطف عليه ، والنصب على أن
__________________
وقلب وجزم ، «تأت» : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة ، «نا» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (أنت). بيقين : جار ومجرور متعلقان بالفعل (تأت). فنرجي : «الفاء» : استئنافية ، «نرجي» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن). ونكثر : «الواو» : عاطفة ، «نكثر» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن). التأميلا : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.
وجملة «لم تأننا» : في محلّ رفع خبر (أن). وجملة «نرجي» : في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره (نحن) : وجملة «نحن نرجي» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «نكثر التأميلا» : معطوفة على (نرجي) محلها الرفع.
والشاهد فيه قوله : «نرجي» حيث رفعه على القطع والاستئناف.