وإذا كان على هذا لم يكن مثل «مررت برجل حسن وجهه» ، ألا ترى أنّ «حسن وجهه» وبابه يلزم فيه تكرار الضمير ، لأنّ في «حسن» ضميرا يعود على «الرجل» ، والضمير في «وجهه» يعود على «الرجل» أيضا وليس كذلك : «جونتا مصطلاهما» ، على ما أخذه سيبويه رحمهالله ، لأنّ الضمير الذي في «جونتا» يعود على «الجارتين» ، والضمير الذي في «مصطلاهما» يعود على «الأعالي».
والذي يبطل ما ذهب إليه المبرّد فساد المعنى وضعف اللفظ ، أما ضعف اللفظ فإنّ عود الضمير على الظاهر ينبغي أن يكون على حسبه في اللفظ ، وحمله على المعنى قليل. وأمّا فساد المعنى فإنّه يكون المعنى إذ ذاك : جونتا مصطلى الأعالي ، والمصطلى في الحقيقة إنّما هو للجارتين لا للأعالي ، فيصير ذلك بمنزلة قولك : «مررت برجل حسن وجه رأسه» ، فتضيف «الوجه» إلى «الرأس» ، وإنّما هو للرجل ، فكما أنّ العرب لا تقول هذا ، فكذلك لا تقول ما هو بمنزلته. وأيضا فإنّ أهل الكوفة قد حكوا مثل : «مررت برجل حسن وجهه» ، بالنصب.
وإذا ثبت النصب جاز الخفض ، لأنّ الإضافة إنّما تكون منه ، وأنشدوا على ذلك [من الرجز] :
٤٠٩ ـ أنعتها إنّي من نعّاتها |
|
كوم الذّرى وادقة سرّاتها |
__________________
المؤنث. ينتطحان : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محل رفع فاعل.
وجملة «رأت جبلا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «التقت» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «ينتطحان» : جواب شرط غير جازم لا محل لها ، وجملة «إذا التقت رؤوس ... ينتطحان» حال من (الجبال) محلها النصب.
والشاهد فيه قوله : «رؤوس كبيريهنّ ينتطحان» حيث وقع الجمع «رؤوس» موقع المثنى بدليل قوله : «ينتطحان».
٤٠٩ ـ التخريج : الرجز لعمر بن لجأ التيميّ في الأصمعيات ص ٣٤ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٢١ ؛ والدرر ٥ / ٢٨٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٨٣ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٨.
اللغة : كوم : جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام. الذرى : جمع ذروة ويريد بها السنام. وادقة : من ودق البطن أي اتسع ودنا من السمن.
المعنى : يصف الشاعر نوقا بالضخامة وعظمة الأسنمة والبطون التي اندلعت لكثرة الشحم ، فدنت من الأرض.