وزعم بعض النحويين أنّه انتصب بما في «يا» من معنى الفعل.
ومنهم من ذهب إلى أنّه انتصب بنفس «يا» ، واستدلّ على ذلك بأن قال : الدليل على أنّه منصوب بـ «يا» وليس منصوبا بفعل مضمر أنّه لو أظهروا الفعل الذي تدّعون إضماره لغيّر المعنى ، وذلك أنّك إذا قلت : «يا زيد» ، فهو نفس النداء ، و «أنادي زيدا» ليس بنفس النداء ، وإنّما هو إخبار بأنّه يقع منه نداء.
وهذا الذي ذهب إليه هذا الذاهب فاسد ، وذلك أنّ الحرف إذا اختص باسم واحد لا يعمل فيه إلّا جرّا ، وهذا قد عمل فيه نصبا ، فدلّ على بطلان ما ذهب إليه من أنّ «يا» هي الناصبة مع أنّها لا تختص ، وذلك أن «يا» للتنبيه في الأصل ، فهي غير مختصة بدخولها على الاسم والفعل والحرف. فمثال دخولها على الفعل قوله [من الطويل] :
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال |
|
... (١) |
ومثال دخولها على الحرف قوله [من مجزوء الكامل] :
يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا (٢) |
وأمّا قوله : «إنّ إظهار الفعل يغيّر المعنى» ، فالجواب : إنّ الأفعال تنقسم قسمين : قسم هو كناية عن معنى ، مثل : «قام زيد» ، وقسم هو المعنى نفسه ، مثل قولك : «أحلف بالله لأفعلنّ كذا» ، ألا ترى أنّ قولهم : «أحلف» ، هو القسم بنفسه ، وكذلك المنادى يكون على تقدير : «أنادي» ، ويكون «أنادي» هنا المراد به نفس النداء.
وأمّا المنصوب في باب الاشتغال ، فهو منصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. وإنّما لم يجز إظهاره لأنّه جعل الفعل الذي بعده كأنّه عوض منه ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه.
ومنهم من ذهب إلى أنّه منصوب بالفعل الذي بعده وهو الفراء (٣). وذلك أنّ عدم الإضمار أحسن من تكلفه. قال فإن قيل : تعدّى «ضربت» لمفعولين وإنّما يتعدى إلى مفعول واحد ، فالجواب : انّه لما كان المفعول هو الضمير في المعنى ساغ أن يعمل فيه.
__________________
(١) تقدم بالرقم ١٩.
(٢) تقدم بالرقم ٢٠.
(٣) انظر المسألة الثانية عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٨٢ ـ ٨٣.