وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ العرب تقول : «زيدا مررت به» ، و «مررت» لا تعمل نصبا ، فثبت هنا إضمار الفعل. وأيضا فإنّ الشيء لا يقتضي مما يطلبه إلّا شيئا واحدا.
فأمّا إيّاك ، فهو منصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره ولم يستعمل إلّا بمعنى الأمر ، فإذا قلت : «إيّاك» ، فتقديره : «إيّاك باعد» ، ولا تقدّره قبل إيّاك ، لأنّه لا يتعدى الفعل إلى مضمر المتّصل. وإنّما لم يظهر الفعل لأنّ «إيّاك» تتنزّل منزلته ، وتتحمل الضمير كما يتحمّله الفعل. والدليل على أنّه قد يتحمل الضمير الذي يتحمله الفعل قوله [من المتقارب] :
٧٣٩ ـ فإيّاك أنت وعبد المسي |
|
ح أن تقربا قبلة المسجد |
ف «عبد المسيح» معطوف على المضمر في «إيّاك» ، و «أنت» تأكيد له.
وأمّا الاسم الذي بعد الواو في : «إيّاك والأسد» ، وأمثاله تقديره : «إيّاك باعد واحذر الأسد» ، إلّا أنّ هذا الفعل الذي ينتصب «الأسد» بإضماره لا يظهر لأنّ ما في «إيّاك» من التحذير يدل عليه. فإن حذفت الواو لم تلزم إضمار الفعل ، نحو قوله [من الطويل] :
٧٤٠ ـ إيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشرّ دعّاء وللشرّ جالب |
__________________
٧٣٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ملحق ديوانه ص ١٠٢٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٠ ؛ والكتاب ١ / ٢٧٨ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ٢١٣.
المعنى : يحذّر جرير الفرزدق وصديقه الأخطل (أشار إليه بعبد المسيح) من الاقتراب من المساجد.
الإعراب : فإياك : «الفاء» : استئنافية ، «إياك» : ضمير نصب منفصل في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (أحذّر). أنت : ضمير منفصل في محلّ نصب توكيد للضمير (إياك). وعبد : «الواو» : حرف عطف ، «عبد» : معطوف على الضمير (إياك) منصوب بالفتحة. المسيح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أن : حرف مصدري وناصب. تقربا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» والفعل «تقربا» مفعول به ثان للفعل «أحذر» أو مجرور بالحرف ، والتقدير : احذر إياك الاقتراب أو من الاقتراب ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «احذر» المحذوف. قبلة : مفعول به منصوب بالفتحة. المسجد : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «فإياك أحذّر» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «تقربا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «عبد المسيح» حيث عطفه على (إياك) بعد أن أتى بالضمير المنفصل (أنت) توكيدا للضمير (إياك).
٧٤٠ ـ التخريج : البيت للفصل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة ٤ / ٧٦ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٦٣ ؛ ومعجم الشعراء ص ٣١٠ ؛ وله أو للعرزميّ في حماسة البحتري ص ٢٥٣ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب