ولذلك إذا دخلت الألف واللام رفعوه فيقولون : «أما السمن فسمين» ؛ أو مفعولا من أجله في لغة بني تميم.
وكذلك إذا عرّفوه بالألف واللام ، بقي على نصبه ، فيقولون : «أما السمن فسمين وأما العلم فما أعلمه به» ، فلم نقل إنّه انتصب بما بعده لأنّ ما بعده مصدر ، وصلة الصدر لا تتقدم عليه. وأيضا فإنّ ما بعد «لا» لا يتقدّم عليها.
فإن قيل : فكيف جاء الشرط مع جوابه غير مرتبط في المعنى؟ ألا ترى أنّك إذا قلت : «أما سمينا فسمين» ، تقديره : مهما يكن سمينا فهو سمين. فظاهر أنّه لا يكون «سمينا» إلّا في حال ذكره سمينا. فالجواب : إنّ الشرط قد يجيء غير مرتبط مع جوابه في المعنى في مجرد اللفظ ، مثل قولك [من الرجز] :
من يك ذا بتّ فهذا بتّي |
|
مقيّظ مصيّف مشتّي (١) |
ألا ترى أنّه يكون «مقيّظا مصيّفا مشتّيا» كان لغيره «بتّ» أو لم يكن ، ولم يظهر الفعل لنيابة أما منابه.
وأما المصدر مثل : «له صراخ صراخ الثكلى» ، و «له صوت صوت حمار» ، و «له دقّ دقّك بالمنحاز حبّ الفلفل» ، فلا يخلو أن تريد بالاسم الأول الصفة أو الفعل الذي هو علامة لإخراج الصوت. فإن أردت الفعل ، انتصب ما بعده به ، وليس هو من هذا الباب ، لأنّ عامله ملفوظ به ، وهو المصدر المتقدم الذكر. فإن أردت به الصفة ، فلا يخلو أن تريد بالثاني الفعل أو الصفة. فإن أردت الفعل انتصب بفعل من لفظه تقديره : يصوّت صوت حمار. لأنّه إذا كان له صوت ، فهو يصوّت به تصويت حمار.
فإن أردت بـ «صوت» الثاني الصفة لا المصدر ، كان منصوبا بإضمار فعل من غير لفظه على تقدير : يخرجه صوت حمار أو مثل صوت حمار. وكذلك : «يخرج صراخ الثكلى». ولم يظهر الفعل لأنّ ما تقدّم من الكلام ناب منابه لدلالته عليه.
وأما «من أنت زيدا» ، فمنصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. وإنّما لم يجز إظهاره ، لأنّه جرى مجرى المثل. وأصله أنّ إنسانا حكى عن نفسه صفات ، وكنت تعرفها في زيد ، فأنكرها فيه ، فقلت له : «من أنت زيدا»؟ كأنّه قال : من أنت تذكر زيدا؟ ثم صار يستعمل
__________________
(١) تقدم بالرقم ٢٣٧.