العرب تجعل المطلوب للمتقدّم منهما ، فغير مسلّم على الإطلاق بل لا يخلو أن يكونا عاملين ، أو غير عاملين ، أو كان أحدهما عاملا والآخر ليس كذلك ، فربما يكون الأمر على ما ذكروا. وأما إذا اجتمع طالبان عاملان فإنّ المعمول للمتأخر منهما ، نحو : «إن لم يقم زيد قام عمرو» ، فـ «يقم» تقدّمه عاملان : «إن» و «لم» ، والذي يعمل فيه إنّما هو المتأخر ، وهو «لم» بدليل أنّ أداة الشرط إذا جزمت فعل الشرط فإنّه يقبح استعمال الجواب غير مجزوم في اللفظ ، بل لا يوجد ذلك إلّا في ضرورة شعر ، وذلك نحو قوله [من الخفيف] :
٤٣٧ ـ من يكدني بسيّىء كنت منه |
|
كالشجا بين حلقه والوريد |
فلو كان «يقوم» من : «إن لم يقم زيد قام عمرو» ، مجزوما بـ «أن» لوجب أن لا يجوز في الجواب فعل ماض إلّا في الشعر أو في نادر الكلام ، وكونه من كلام العرب الفصيح دليل على أن الجازم لم دون «إن» لمجاورتها له ، بل إذا كانوا قد لحظوا المجاورة مع فساد المعنى في مثل قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» ، فجرّوا «خربا» على أنّه صفة لـ «ضبّ» مع أنّ «الخرب» في الحقيقة إنّما هو «الجحر» ، فالأحرى أن يلحظوا المجاورة مع صلاح المعنى.
__________________
٤٣٧ ـ التخريج : البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٧٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٠٥ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٥ ؛ والمقتضب ٢ / ٥٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٧٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٦٨.
اللغة : الشجا : ما اعترض في حلق الإنسان من عظم ونحوه.
الإعراب : «من» : اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يكدني» : فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «بسيّىء» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يكد». «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «كان» ، وهو جواب الشرط. «منه» : جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «كالشجا» : جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «بين» : ظرف مكان متعلّق بخبر «كان» المحذوف ، وهو مضاف. «حلقه» : مضاف إليه ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «والوريد» : الواو حرف عطف ، «الوريد» : معطوف على «حلقه» مجرور بالكسرة.
وجملة : «من يكدني ...» الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «كنت ...» لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء. وجملتا فعل الشرط وجوابه : في محل رفع خبر «من».
الشاهد فيه قوله : «من يكدني كنت ...» حيث جزم بـ «من» فعلا مضارعا «يكد» وهو فعل الشرط ، وجاء جوابه غير مجزوم في اللفظ لأنه فعل ماض «كنت».