والمراد إنّما هو غيره. ومنه قول النابغة [من البسيط] :
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ونصفه فقد (١) |
أراد : ونصف حمام آخر مثل هذا الحمام ، لأنّه قد كان تمنى الحمام كله ، فمحال أن يتمنّى بعد ذلك نصفه ، فثبت أنّه أعاد الضمير على اللفظ وهو يريد غيره لموافقته له في اللفظ ، ومثل ذلك كثير. وقد أوضحت ذلك وبينته بأكثر من هذا البيان في الباب الذي بعد هذا ، فعلى ما ذكرنا من القوانين يكون إجراء مسائل هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرناه في أول الباب في حدّ الإعمال يتبيّن إذن فساد من ألحق قول امرىء القيس [من الطويل] :
٤٥١ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ولم أطلب قليل من المال |
__________________
(١) تقدم بالرقم ١٥٣.
٤٥١ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٩ ؛ والإنصاف ١ / ٨٤ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ؛ والدرر ٥ / ٣٢٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٩٩ ؛ والكتاب ١ / ٧٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ؛ والمقتضب ٤ / ٧٦ ؛ والمقرب ١ / ١٦١.
اللغة والمعنى : أسعى : أجدّ ، أعمل. أدنى معيشة : حياة عاديّة.
يقول : لو أنه يسعى لحياة عاديّة لكفاه قليل من المال ، ولكنّه يسعى في طلب الملك والسيادة لذلك يتوجّب عليه الجدّ والسعي المستمرّ.
الإعراب : فلو : الفاء : حرف عطف ، لو : حرف امتناع لامتناع. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. ما : حرف مصدريّ. أسعى : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة للتعذّر ، والفاعل : أنا ، والمصدر المؤوّل من «ما وما بعدها» في محلّ نصب اسم «أنّ». لأدنى : جار ومجرور متعلّقان بخبر «أنّ» ، والمصدر المؤوّل من «أنّ واسمها وخبرها» في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره : «لو ثبت كون سعيي» ، وهو مضاف. معيشة : مضاف إليه مجرور. كفاني : فعل ماض ، والنون : للوقاية ، والياء : في محلّ نصب مفعول به. ولم : الواو : حرف اعتراض ، لم : حرف نفي وجزم وقلب. أطلب : فعل مضارع مجزوم ، والفاعل : أنا ، والمفعول به محذوف تقديره «ولم أطلب الملك ...». قليل : فاعل «كفى» مرفوع. من المال : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «قليل».
وجملة (لو أسعى ...) معطوفة على جملة سابقة. وجملة (كفاني ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة (لم أطلب) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة.