بالإعمال ، لأنّ «كفاني» يطلب «قليلا» و «لم أطلب» يطلب «الملك» ، كأنّه قال : ولم أطلب الملك ، لأنّ حقيقة الإعمال أن يتقدّم عاملان كل واحد منهما طالب للمعمول ، و «لم أطلب» لا يتسلّط هنا على القليل ، ألا ترى أنّه لا يصح : لو أنّ سعيي لأدنى معيشة لم أطلب قليلا من المال ، لأنّه إذا لم يسع لأدنى معيشة ، فإنما يطلب الكثير ، فكان حقه أن يقول : لطلبت القليل ، فهو غير متسلّط عليه ، فلهذا قلنا إنّه ليس من باب الإعمال ، والعامل إنّما هو «كفاني».
فإن قيل : لأيّ شيء جعلت «لم أطلب» جوابا لـ «لو» وعطفت على «كفاني» حتى لزم هذا؟ وهلّا جعلت الجملة في قوله : «ولم أطلب» ، معطوفة على قوله : «فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني». وكأنّه قال : وأنا لم أطلب قليلا ، فيتصور توجيهه عليه ، فيكون من باب الإعمال.
فالجواب : إنّ هذا لا يتصوّر ، وقد كان الأستاذ أبو علي الشلوبين يجعله من الإعمال بهذا الطريق ، ووجه بطلان أنّ العاملين في هذا الباب لا بدّ أن يشتركا ، وأدنى ذلك بحرف العطف حتى لا يكون الفصل معتبرا ، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول ، وذلك نحو قولك : «جاءني يضحك زيد» ، فتجعل في «جاءني» ضميرا أو في «يضحك» حتى لا يكون هذا الفعل فاعلا ، وأقل ذلك حرف العطف حتى تكون الجملتان قد اشتركتا أدنى اشتراك ، فيسهل الفصل.
وأما إذا جعلت : «ولم أطلب» معطوفا على «فلو أنّ ما أسعى» ، فإنّك تفصل بجملة أجنبية ليست محمولة على الفعل الأول ، فتكون إذ ذاك بمنزلة : «أكرمت وأهنت زيدا» ، والعرب لا تتكلّم بهذا أصلا.
وسيبويه ، رحمهالله ، لم يجىء به على الإعمال ، بل جاء به على أنّه من غير الإعمال ، ألا ترى إلى قوله : «فإنها رفع» لأنّه لم يجعل القليل مطلوبا ، وإنما المطلوب عنده الملك ، فـ «أطلب» لا يتوجه على القليل ألا تراه يقول : ولو لم يرد ذلك ونصب لفسد المعنى.
__________________
والشاهد فيه قوله : «كفاني ولم أطلب قليل» ، حيث جاء قوله : «قليل» فاعلا لـ كفاني» ، وليس البيت من باب التنازع ، لأن من شرط التنازع صحّة توجّه كلّ واحد من العاملين إلى المعمول المتأخّر مع بقاء المعنى صحيحا ، والأمر ههنا ليس كذلك ، لأنّ القليل ليس مطلوبا.