الصناديق إلى الدار إلى أن يخلوا ثلثى ما فى المركب ، فلما أصبح الناخوذة وجد صاحبه البارحة الداعى بعينه ، وقال فى نفسه : خفت من المطر فوقعت تحت الميزاب ، وتشوش خاطره واسودّ ناظره ، فأنفذ الداعى إليه وقال له : أنا صاحبك البارحة وأنا الداعى مالك عدن ، اليوم طيّب قلبك واشرح صدرك ، عشور مركبك هبة منى إليك مع الدار التى نزلت فيها ، وهذه الف دينار تنفقها ما دمت فى بلادنا ، وحرام علىّ أخذ شىء منك ، لا على وجه الهبة ولا على وجه البيع والشرى ، فقال له الناخوذة : وعلام (١) هذا كله؟ قال : لدخولك علينا البارحة منزلنا فى نصف الليل ، وأمر أن يمد سور من الحصن الأخضر إلى جبل حقات فأدير سور ضعيف وارتدم بعضه على بعض واهتدم لدوام الموج عليه ، فلما خرب أدير عليه سور ثان من القصب شبّك ، وبقى على حاله إلى أن بناه أبو عثمان عمر بن عثمان بن على الزنجبيلى التكريتى دائرا على جبل المنظر إلى آخر جبل العر وركّب عليه باب حقات ، وأدار سورا ثانيا على الجبل الأخضر ، وحده من حصن الأخضر إلى التعكر على رءوس الجبال ، وأدار سورا على الساحل من الصناعة إلى جبل حقات ، وركب عليه ستة أبواب : باب الصناعة ، وباب حومة ، وباب السكة ، وهما بابان يخرج منهما السيل إذا نزل الغيث بعدن ، وباب الفرضة ومنه تدخل البضائع وتخرج ، وباب مشرف ، لا يزال مفتوحا للدخل والخرج ، وباب حيق ، لا يزال مغلقا ، وباب البر ، قد تقدم ذكره ، وبنى سورها بالحجر والجص ، وبنى الفرضة وجعل لها بابين.
__________________
(١) فى الأصل : «على ما» والصواب هو المثبت ، لأنه يجب حذف ألف «ما» الاستفهامية إذا جرّت مع إبقاء الفتحة دليلا عليها ، فرقا بينها وبين الموصولة ، وإذا كان الجار قبلها مختوما بألف مقصورة أبدلت ألفا محضة مثل : «إلام ـ علام ـ حتام».