ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عباس فى كتاب الفاكهى قال : أول من اتخذ جدة ساحلا عثمان بن عفان وكان قبل ذلك بموضع يسمى الشعيبة.
قال ابن المجاور : والشعيبة هو خور عظيم ومرسى قديم مقابل وادى المحرم ، لا شك أنه كان قبل جدة لأن ما فى تلك النواحى مرسى أدنى منه ولا آمن عاقبة.
قالت العجم : فلما خربت سيراف انتقلت أهل سيراف إلى سائر سواحل البحر [كما تقدم ذكره] فوصل قوم منهم وفيهم اثنان : أحدهما يسمى سيار والثانى مياس فسكنوا جدة وأداروا على البلد سورا من الحجر الصم بالجص ، فلما ابتدأوا فى المقام بها بنوا هذا السور وجعلوا عرض الحائط عشرة أشبار فبقى السور على حاله حتى تمكنوا من المقام فبنوا على وجه السور سورا ثانيا من الحجر الكاشور منقوش ، أى منحوت مربع ، بالجص وجعلوا عرض الحائط خمسة أشبار فصار عرض الحائطين الملتزقين بعضهما إلى بعض خمسة عشر شبرا.
وركب عليه أربعة أبواب : باب الرومة وباب المدبغة ، وكان عليه حجر حفر فيه طلسم إذا سرق فى البلد سارق وجد بالغداة اسم السارق مكتوبا فى الحجر ، وباب مكة ، وباب الفرضة مما يلى البحر ، وحفر حوله خندق عظيم فى الوسع والعمق ، فكان يدور ماء البحر حول البلد ويرجع ما فضل منه إلى البحر ، والبلد يصير شبه جزيرة (١) فى وسط لجج البحر.
__________________
(١) الصواب أن يقال : جزيرة ، لأنها المكان الذى تحيطه المياه من جميع النواحى ، كما هو الحال هنا ، أما شبه الجزيرة فيحيط بها الماء من ثلاث نواح فقط.