الشيخ عند ذلك أن الحمل كان قضبان ذهب وعرف أنه قد طمع فيهم ، فقصد الشيخ إلى شيخ كبير كان عندهم فى السن فشاوره فى أمره وما يصنع ، فقال له الشيخ : الذى عندى أنكم قوم موسرون فخذوا جميع ما تحتاجون إليه ويركب كلّ مركبه وينطلق فى هذا البحر الواسع ، وأى موضع أعجب الرجل منكم نزله وسكنه بعد أن تخلوا البلد كجوف حمار أو كرأس ليس فيه خمار ، فعند ذلك عبوا أمتعتهم فى المراكب ورفع كلّ قلعه ودخلوا البحر وذلك فى سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
ويقال فى رواية أخرى : إن العرب جاءوا وحاصروا القوم فلما قل عليهم الماء ركبوا مراكبهم وعدوا فى البحر فسكن قوم منهم السرين والراحة وعثر والجرعة والدرعة ودهلك وبيلول وجدة من جزيرة فرسان والمخاء وغلافقة والأهواب والثميد وجزيرة ذهبان وكسران وبندر موسى وباب موسى.
فلما خلت الأرض من الأحباب ملكها الأعراب فى دولة الأمير داود بن هاشم.
قال ابن المجاور : ورأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى : ما استفتح جدة من الفرس إلا مضر بن هاشم ، والأصح شكر بن أبى الفتوح ، ومن عهدهم خربت واندرست وبقيت الآثار خاوية على عروشها كما قال الشاعر :
لا بلّغ الله نفسى فيك منيتها |
|
إن كان بعدك بعد الدار غيّرنى |
جعلت دمعى على ذكراك محتسبّا |
|
والدمع عنوان ما يخفى من الحزن |
وأقسمت مقلتى ما لا تظن به |
|
فالذكر يجرى ويجرى الدمع فى سننى |
وقائل لى قد بانوا فقلت له |
|
قد فرّق الله بين الجفن والوسن |