ويقال : ستون عينا سائحة على وجه الأرض كلها عذب فرات ، فمن نداوة الأرض رجعت الأرض مخضرة دائما ذات رياض وأشجار ووحش ، فبقى الحمى على حاله إلى أن وقعت الحرب بين القوم أربعين خريفا ، والقصة مشهورة ولا حاجة إلى ذكرها ، فجاء ملك بعد القوم ردم الأعين وسد أعينها ، ولا شك أنه معن بن زائدة الشيبانى.
والدليل على صحة مقالتنا أن الحجرين الطاحونين الملقين على باب غلافقة من زبيد كانت تدور على تلك المياه والأعين ، وكان بها وخم من كثرة نداوة الأرض والمياه ، وكل أرض تكون على هذه الصفة تكون وخمة من كل بد.
حدثنى جعفر بن عبد الملك بن عبد الله بن يونس الخزرجى الجرجانى قال : قدمت اليمن فى دولة سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وكنا نستقى الماء من الآبار بأيدينا ونشرب ، فغار الماء فى زماننا هذا سنة خمس وعشرين وستمائة إلى أن بلغ عمق البئر خمس عشرة قامة فزال الوخم واعتدل الماء والهوى ، والآبار التى فى سكة المدينة طولها ست عشرة قامة وما حول البلد اثنتا عشرة قامة تزيد لا تنقص.
وأما حدود حمى كليب ومهلهل فكان من الحجف إلى أنف قونص إلى رأس رمع ، وجميع جوار زبيد وأوديتها إلى حد النوبتين وقوارير طولا فى عرض مثله ، فلما سدد الأعين وقل الماء طلع فى الخبت شجر الأراك والطرفاء إلى أن رجعت عقدة عظيمة.