ثم انهم قالوا : ان من جملة أحكام الأمانة الشرعية ـ مع ما تقدم من وجوب المبادرة إلى ردها وان لم يطالب المالك ـ أنه لا يقبل قول من هي في يده في ردها الى المالك مع يمينه ، بخلاف الوديعة ، والفرق أن المالك لم يستأمنه عليها ، فلا يقبل قوله في حقه مع أصالة عدمه ، بخلاف الوديعة ، مع ما انضم اليه من الإحسان الموجب لمنع السبيل.
ولها صور كثيرة : أحدها ـ ما ذكر من الوديعة التي يعرض لها البطلان ، وكذا غيرها من الأمانات كالمضاربة ، والشركة ، والعارية.
ومنها ما لو أطارت الريح ثوبا ونحوه الى داره.
ومنها ما لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.
ومنها ما لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون عند خوف تلفها.
ومنها ما يصير بأيدي الصبيان من الأموال التي يكتسبونها بالقمار كالجوز والبيض ، وعلم بها الولي ، فإنه يجب عليه رده الى مالكه ، أو وليه.
ومنها ما لو استعار صندوقا ونحوه أو اشتراه أو غيره من الأمتعة فوجد فيه شيئا فإنه يكون أمانة شرعية ، وان كان المستعار مضمونا.
ومنها اللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك ، وضابطه ما كان وضع اليد عليه من غير اذن المالك مع الاذن فيه شرعا والله العالم.
الخامس ـ يجب حفظ الوديعة بما يناسب حالها ، والوجه فيه أنه حيث علم من الشارع وجوب الحفظ ، ولم يعلم منه كيفية معينة لذلك ، وجب الرجوع في ذلك الى العادة والعرف الذي عليه الناس ، كالدنانير والدراهم ، فان محل حفظها الصندوق المقفل ، والثياب منها ما يكون محل حفظه الصندوق أيضا ، ومنها ما يكون البيت ، والدابة في الإصطبل ، والشاة في المراح ونحو ذلك ، ولو جعل أحد هذه الأشياء في مكان أوثق في الحفظ كالشاة والدابة في الدار المغلقة ، فالظاهر أنه مزيد إحسان لا يتعقبه الضمان ، وربما قيل : بالضمان من حيث مخالفة