كان الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد أو متضمنا له كما لو لم يذكره أجرة فإنه حينئذ يقوى عدم وجوب الأجرة لدخول العامل على ذلك قال : وهو حسن ، أقول : لقائل أن يقول بالنسبة إلى الصورة الأولى وهو اشتراط عدم الأجرة كأن يقول آجرتك نفسي لأعمل لك كذا وكذا بغير أجرة ، ان مرجع هذا الكلام الى التبرع بالعمل ، فلا أثر لقبول المستأجر ولا إذنه الذي هو شرط في صحة العقد ، وأيضا فإن هذا الشرط مناف لمقتضى معنى آجرتك كما تقدم في تعريف الإجارة من أنها عقد ثمرته تمليك المنفعة الخاصة بعوض ، أو عبارة عن نفس الثمرة ، فالأظهر أنه ليس بعقد فاسد ، بل اذن في العمل بغير أجرة ، والا فلا معنى لهذا اللفظ بل لا يمكن أن يتلفظ به عالم ، عاقل الا أن يقصد التجوز بلفظ آجرتك ، وإخراجه عن معناه ، وهذا بحمد الله تعالى ظاهر.
وأما بالنسبة إلى الصورة الثانية وهي ترك ذكر الأجرة ، فإنه يمكن أن يقال : ان ترك ذكرها لا يدل على الرضا بعدمها ، بل هو أعم إذ قد يكون لنسيان أو جهل أو اعتقاد أنه معلوم مقرر أو أنه ينصرف إلى العادة والعرف ، ويؤيده أن الأصل عدم التبرع ، ولهذا حكموا مع عدم صحة العقد بأجرة المثل ، بناء على ذلك حتى يعلم المخرج عنه بدليل.
وبالجملة فإن الترك أعم والعام لا دلالة على الخاص ، وفي المسالك بعد أن نقل عن الشهيد ما قدمنا ذكره قال : وربما استشكل الحكم فيما لو كانت الإجارة متعلقة بمنفعة عين كدار مثلا ، فاستوفاها المستأجر بنفسه ، فان اشتراط عدم العوض إنما كان في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمنه من التراضي فحقه وجوب أجرة المثل ، كما لو باعه على أن لا ثمن عليه.
ثم أجاب بأنه مع اشتراط عدم الأجرة في الصورة المذكورة يكون ذلك من قبيل العارية دون عقد الإجارة ، قال : فإن الإعارة لا يختص بلفظ مخصوص ، بل ولا يتوقف على لفظ مطلقا ، ولا شك أن اشتراط عدم الأجرة صريح في الأذن