واختلاف الناس في الاقتضاء لا يمنع مطالبة المستحق ومن يعينه لذلك ، والتوقف على رضاه محل البحث ، فأخذه في الدليل مصادرة محضة.
قوله : ولأن إثبات المال في ذمة الغير تابع لرضاه ، بمعنى أن نقلة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه يتوقف على رضاه ، يمكن دفعه ، بأنا نمنع من اقتضاء الحوالة النقل ، وانما هي إيفاء لما في ذمة الغير ، فلا تقصر عن بيعه كما أشار إليه العلامة فيما تقدم من جوابه عن كلام الشيخ ، وأصالة بقاء الحق معارضة بأصالة عدم الاشتراط ، والاستصحاب انقطع بما ذكرناه ، خصوصا مع اتفاق الحقين جنسا ووصفا.
نعم لو كانا مختلفين وكان الغرض استيفاء مثل الحق المحال ، توجه اعتبار رضى المحال عليه ، لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة ، فلا بد من رضى المتعاوضين ، ومع ذلك لو رضى المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه ، زال المحذور.
وبذلك يظهر قوة القول بعدم اشتراط رضى المحال عليه ، الا في صورة اختلاف المال المحال ، مع ما في ذمة المحال عليه ، وعدم رضا المحتال بأخذه ، لما عرفت.
تنبيهات الأول ـ ينبغي أن يعلم أنه على تقدير القول المشهور من اعتبار رضى الثلاثة فإن اعتبار رضى المحال عليه ليس على حسب رضى الآخرين ، فان الآخرين ركنا العقد الذي لا يتم إلا بالإيجاب والقبول ، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، ويعتبر في عقدها عند الأصحاب ما يعتبر في غيره من العقود من اللفظ والمقاربة ونحوهما بخلاف المحال عليه ، فإنه يعتبر رضاه كيف اتفق ، مقارنا أو متراخيا ، أو متقدما أيضا ، لحصول الغرض المطلوب منه على كل من هذه الوجوه.
الثاني ـ لا يخفى أنه على ما اخترناه من القول بعدم اعتبار رضى المحال عليه ، انما يتجه فيما إذا كان مشغول الذمة بمال المحيل ، أما لو كان بريء الذمة وقلنا بصحة الحوالة كما هو أصح القولين ـ فإنه يشترط رضاه إجماعا.
الثالث ـ ان ما تقدم من الإجماع على اشتراط رضى المحيل في صحة الحوالة مخصوص بما إذا لم يتبرع عنه متبرع بوفاء الدين الذي عليه ، أما لو تبرع المحال عليه بالوفاء فإنه لا تعتبر رضى المحيل قطعا ، لانه وفاء دينه وضمانه بغير اذنه ،