وأما المحال عليه فالمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) اعتبار رضاه أيضا ، (١) بل ادعى عليه الشيخ الإجماع ، قال في المختلف : احتج الشيخ على ما اختاره بأن الإجماع واقع على صحة الحوالة مع رضى المحال عليه ولا دليل على صحتها من غير رضاه ، ولأن إثبات المال في ذمة الغير مع اختلاف الغرماء في شدة الاقتضاء وسهولته تابع لرضاه.
ويمكن أن يجاب بأن نفى الإجماع نفى دليل خاص ، ونفى الخاص لا يستلزم نفى العام ، مع أن الأصل يقتضي الصحة لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) ، ونمنع اعتبار رضاه كما لو باعه ، ولم نقف على حديث ـ يتضمن ما ادعاه علمائنا في هذا الباب ، مع أن الشيخ المفيد لم يذكر اعتبار رضى المحال عليه ، بل عبارته تشعر بعدم اعتبار رضاه ، ثم نقل العبارة المذكورة ، ثم قال : وكذا قال الشيخ في النهاية.
أقول : لا يخفى أنه وان لم يرد في الاخبار ما يقتضي رضى أحد من هذه الثلاثة المذكورة ، الا أن ما علل به رضى الأولين مضافا الى الإجماع على ذلك لا يخلو من قوة ، وأما ما علل به الأخير فهو ظاهر الضعف عند التأمل ، ومثله أيضا ما قيل : من أن الأصل بقاء المال في ذمة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب.
والتحقيق كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، أن المحيل قد أقام المحتال مقامه في القبض بالحوالة ، فلا وجه لافتقاره الى رضاء من عليه الحق ، كما لو وكله في القبض منه ، بخلاف الأولين لما عرفت.
__________________
(١) المفهوم من كلام العلامة في التذكرة أيضا عدم الخلاف في ذلك حيث قال : في أصحابنا من يشترط رضى الثلاثة ، وقال في موضع آخر : ويشترط عندنا رضى المحال عليه ، ثم نقل الخلاف عن بعض العامة فقط ، وهو كما ترى ظاهر فيما قلناه ، مع انه في المختلف كما نقلناه في الأصل خالف في ذلك ، وتبعه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وهو الأقرب كما أوضحناه في الأصل ، ويشير أيضا الى وجود الخلاف في المقام ، ما في عبارة ابن حمزة على ما نقله في المختلف ، حيث قال : تصح الحوالة بشروط عشرة الى أن قال : ورضى المحال عليه على الصحيح ، قال في المختلف وهو يشعر بوجود قول لبعض أصحابنا ينافيه وانه لا يعتبر رضاه ، انتهى وبذلك يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي حيث انه نسب الخلاف في هذه المسألة إلى الشهيد الثاني في المسالك خاصة مع اعترافه بنقل الشيخ الإجماع وفيه ما عرفت. منه رحمهالله.
(٢) سورة المائدة ـ الاية ١.