وبين دفع الدية والامام (عليهالسلام) انما أوجب عليه الدية بعد موت القاتل وعدم إحضاره ، فهو ظاهر في أنه مع حيوة القاتل فليس الحكم إلا إحضاره وتسليمه الى أولياء الدم ، وهو موافق لما تقدم من أخبار الكفالة من حيث أن مقتضاها انما هو إحضار المكفول ، دون أداء ما عليه كما ادعاه جملة منهم.
ومنه يفهم أيضا حكم المسئلة الاولى ، وأن الحكم فيها انما هو إحضاره لا أداء ما عليه ، لان مرجع المسئلتين إلى أمر واحد ، وهو من أطلق من عليه حق من يد غريمه قهرا ، فإنه يضمنه ، ويجب عليه إحضاره وتسليمه لمن أخذه من يده ، وأن للحاكم أن يحبسه كما يحبس الكفيل حتى يحضره.
بقي الكلام في أنهم قالوا في المسئلة الاولى : وحيث يؤحذ المال لا رجوع له على الغريم إذا لم يأمره بدفعه ، إذ لم يحصل من الإطلاق ما يقتضي الرجوع ، وهو جيد لو ثبت جواز أخذ المال ، الا أنه لا دليل عليه كما عرفت.
وقالوا في الثانية : لا فرق بين كون القتل عمدا وغيره ، إذ القصاص لا يجب الا على المباشر ، فإذا تعذر استفاؤه وجبت الدية ، كما لو هرب القاتل عمدا أو مات ، ثم ان استمر القاتل هاربا ذهب المال على المخلص ، وان تمكن الولي منه وجب عليه رد الدية إلى الغارم وان لم يقبض من القاتل ، لأنها انما وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت ، وعدم القتل الان مستند الى اختيار المستحق (١).
أقول : وفي هذا أيضا ما في سابقه ، فان وجوب الدية على المخلص انما ثبت في صورة موت القاتل خاصة ، كما عرفت من الخبر المتقدم ، بمعنى أن المخلص له لم يسلمه حتى مات ، والا فمع حياته فالحكم انما هو إحضاره ، فيحبس المخلص له حتى يحضره.
__________________
(١) بمعنى أنه بعد الهرب أخذ الولي الدية من المخلص فان استمر على هربه ذهب ما دفعه المخلص ، وان تمكن منه الولي فلا ريب في رده الدية إذا اختار القصاص ، وكذا يجب عليه ردها لو لم يتخير القصاص ، لأنه إنما أخذها من حيث الحيلولة ، وقد سقطت بعد رؤيته فيرجع بالدية على القاتل ، ويجب ردها على المخلص ، هذا حاصل كلامه ، وفيه ما عرفت في الأصل. منه رحمهالله.