أما هنا فالظاهر أنه لا خلاف في عدم البطلان بالموت ، عملا بلزومه وأصالة بقائه ودوامه ، وليس الاستصحاب هنا من قبيل الاستصحاب المختلف في حجيته ، لان مرجع هذا الاستصحاب الى عموم الدليل حتى يقوم وجود الرافع كما في البيع ونحوه ، ثم انه ان كان الميت العامل قام مقامه ورثته ، في العمل ، والا رفع الأمر إلى الحاكم فيستأجر الحاكم من يقوم بالعمل من مال الميت أو من حصته من الغلة ، وان كان الميت المالك بقي العامل على عمله ، وعليه القيام بتمام العمل ، وربما استثنى من الأول ما لو شرط عليه المالك العمل بنفسه ، فإنها تبطل بموته ، كما قيل مثله في الإجارة ، وهو متجه لو كان الموت قبل ظهور الحاصل ، أما بعد ظهوره فيشكل ذلك ، فإنه قد ملك الحصة ، وان وجب عليه بقية العمل ، والحكم بخروجها عن ملكه بالموت ـ بعد دخولها كما عرفت ـ الظاهر بعده.
الخامسة ـ قال الشيخ في النهاية : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر ، ويكره أن يزارع بالحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وليس ذلك بمحظور ، فان زارع بشيء من ذلك فليجعله من غير ما يخرج من تلك الأرض مما يزرعه في المستقبل ، بل يجعل ذلك في ذمة الزارع.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : قوله ويكره أن يزارع بالحنطة والشعير : ان قصد بذلك المزارعة فهو ممنوع وان قصد الإجارة فهو حق ، ثم نقل عن الشيخ المفيد أنه قال : المزارعة بالربع والثلث والنصف جائزة ، كما يجوز بالذهب والفضة ، ثم اعترضه فقال : وهذه العبارة أشكل من الأولى ، لأنه ان قصد بالمزارعة الإجارة لم تصح بالحصة ، وان قصد المزارعة لم تصح بالذهب والفضة ، والظاهر أن قصده بالأول المزارعة ، وبالثاني الإجارة انتهى.
أقول : والوجه في ذلك ظاهر مما تقدم في تعريف المزارعة من أنها بحصة من الحاصل من ثلث أو نصف أو نحوهما ، فلا يجوز بالدراهم والدنانير ، ولا غيرهما من العروض الخارجة عن الحاصل ، والإجارة انما تكون بالدراهم والدنانير