يكون المدعى محقا : والمدعى عليه مبطلا في إنكاره ، وأنه مشغول الذمة في الواقع ، فالصلح هنا وان أفاد قطع النزاع بحسب الظاهر ـ وعدم صحة الدعوى بعد ذلك ، لصحته بحسب الظاهر ـ الا أنه لا يفيد براءة ذمة المدعى عليه مما يزيد على مال الصلح ، فيما لو فرض أنه صالحه على أقل مما في ذمته في الواقع ، أو بعض العين أو المال الأخر ، بل يبقى مشغول الذمة بالباقي وانما تبرأ ذمته بقدر ما دفعه خاصة.
وتدل على ذلك صحيحة عمر بن يزيد (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ، ثم صالح ورثته على شيء ، فالذي أخذته الورثة لهم ، وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة ، وان هو لم يصالحهم على شيء حتى مات ولم يقض عنه فهو للميت يأخذه به».
حتى أنه لو كانت الدعوى على عين في يده وصالح عنها بأقل من قيمتها فالعين بأجمعها في يده مغصوبة ، ولا يستثني له منها مقدار ما دفع ، لعدم صحة المعاوضة في نفس الأمر. ويحتمل أن يكون المدعى مبطلا والمدعى عليه محقا في إنكاره ، وأنه بريء الذمة في الواقع ، فان الصلح وان صح ظاهرا ، لكنه لا يصح بحسب الواقع ، ولا يستبيح للمدعى ما دفع اليه من مال الصلح ، لأنه أكل مال بالباطل ، والمدعى عليه انما دفعه اليه افتداء من هذه الدعوى الكاذبة ، أو خوف الضرر على نفسه وماله لو لم يفعل ، ومثل هذا لا يعد عن تراض يحصل به الإباحة.
نعم لو كانت الدعوى مستندة الى شبهة وقرينة تخرج بها عن الكذب المحض ، كما لو وجد المدعى بخط مورثه أن له على فلان مالا أو شهد له من لا يثبت الحق بشهادته شرعا ولم يكن المدعى عالما بالحال ، وانما ادعى بناء على هذا الفرض ، وتوجهت له اليمين على المدعى ، فصالحه على إسقاط اليمين بمال أو قطع المنازعة ، فالظاهر هنا صحة الصلح في نفس الأمر ، واستحقاق ما يأخذه من مال الصلح ، وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أيضا.
وبالجملة فالحكم بالصحة في صورة الإنكار مراد بها ما هو أعم من الصحة
__________________
(١) التهذيب ج ٦ ص ٢٠٨ ح ١١ ـ الوسائل ج ١٣ ص ١٦٦ ح ٤.