يكون الكلمة اليسيرة من الأذى ضررا كثيرا في حقه ، ورب رجل لا يكون الضرر في حقه لمهانته وضعته ضررا كثيرا ، الا أن يقيد بذلك فيكون المعتبر ما كان ضررا كثيرا بالنسبة إلى المؤتمن لا مطلقا ، والأظهر حمل الضرر على ما كان كذلك في حد ذاته عرفا لا بالنسبة إلى المؤتمن ، فلا يجوز له وان كان شريفا على المرتبة دفع الوديعة بمجرد كلمة تؤذيه وان كانت ضررا كثيرا بالنسبة إليه كما تقدم ، ويؤيده أنه الا وفق بالاحتياط لبراءة الذمة.
وخامسها ـ ما ذكره من أنه لو أنكرها وطولب باليمين الى آخره ، فإنه جيد إذ لا ريب في أن حفظ الامانة واجب عليه وهو موقوف هنا على هذه اليمين الكاذبة ، والاخبار قد دلت على جوازها في أمثال هذا المقام فإذا أبيحت في أمثال ذلك كانت هنا واجبة ، لتوقف الواجب ، وهو الحفظ عليها من باب مقدمة الواجب ، الا أنهم ذكروا أنه يوري في يمينه للتحرز عن الكذب ان أمكن وعرفها ، والا حلف من غير تورية ، وعلله في المسالك قال : لانه وان كان قبيحا الا أن ذهاب حق الأدمي أشد قبحا من حق الله تعالى في اليمين الكاذبة فيجب ارتكاب أخف الضررين.
وفيه نظر لأنا نمنع ما ذكره من قبح اليمين في هذه الحال ، بعد اذن الشارع بها ، وهو قد اعترف أيضا بذلك بعد هذا الكلام ، فقال : لان اليمين الكاذبة عند الضرورة مأذون فيها شرعا كمطلق الكذب النافع ، وحينئذ فأي وجه للقبح بعد الإذن الشرعي فيها.
وكيف يكون قبيحا مع كونه واجبا كما صرح به هو وغيره في المقام ، والا لزم اجتماع القبح والحسن والضرر والنفع في شيء واحد ، فيلزم الذم والمدح والثواب والعقاب في شيء واحد ، وهو محال. وكون الكذب قبيحا في حد ذاته لا يستلزم كونه هنا قبيحا بعد ما عرفت.
ومن الاخبار التي تدل على ما ذكرنا هنا من أرجحية اليمين الكاذبة