التي قدمت في المقدمة الثالثة من مقدمات كتاب التجارة (١) وقد استوفينا تحقيق الكلام فيه ثمة فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.
الثاني : اختلف الأصحاب في جواز إجارة الحائط المزوق للتنزه فجوزه ابن إدريس ، ومنعه الشيخ ، وتردد في الشرائع ، قال في الخلاف والمبسوط : لا يجوز إجارة حائط مزوق أو محكم للنظر اليه والتفرج فيه والتعلم منه ، لأنه عبث ، والنفع منه قبيح ، وإذا لم يجز النفع فإجارته قبيحة.
وقال ابن إدريس : يجوز ذلك إذا كان فيه غرض وهو التعلم من البناء المحكم ، كما يجوز اجارة كتاب فيه خط جيد للتعلم منه ، لأن فيه غرضا صحيحا ولأنه لا مانع منه.
قال في المختلف ـ بعد نقل القولين وقول الشيخ ـ : جيد لأنها منفعة ليس للمالك منع المنتفع بها ، فلا يصح إجارتها كالاستظلال بالحائط ، وفرق بين المزوق ، والكتاب ، لأن في الكتاب يتصرف المستأجر بالتسليم والتقليب بخلاف صورة النزاع ، ولو فرض عدمها لم تقع الإجارة ، كالحائط.
أقول : لا يخفى أن الظاهر من كلام الشيخ أن العلة في المنع إنما هي من حيث عدم اباحة هذه المنفعة ، كما هو عنوان أصل هذه المسئلة فكأنه جعل التنزه هنا من قبيل اللهو ، كما يشير اليه قوله «ولأنه عبث ، والنفع منه قبيح ، وإذا لم يجز النفع فإجارته قبيحة» ، لا أن العلة في عدم جواز الإجارة ما ادعاه العلامة ، وعلل به قول الشيخ من أنه يمكن استيفاء هذه المنفعة بدون إذن المالك ، كالاستظلال بحائط الغير ، وليس للمالك المنع من ذلك ، فلا تصح إجارته ، لأنه غير مملوك للمالك.
وأنت خبير بأنه أين هذا من عبارة الشيخ المتقدمة ، والعجب من المسالك حيث تبع العلامة في ذلك فقال بعد نقل قول ابن إدريس بالجواز : ومنعه الشيخ وجماعة ، لأن ذلك يمكن استيفائه بدون اذن المالك ، كما يجوز الاستظلال بحائطه بدونه انتهى.
__________________
(١) ج ١٨ ص ٦٧.