ومما هو ظاهر في ذلك رواية إبراهيم بن ميمون (١) أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام قال : نعطي الراعي الغنم بالجبل يرعاها ، وله أصوافها وألبانها ويعطينا الراعي لكل شاة درهما؟ فقال : ليس بذلك بأس» الحديث.
وبالجملة فإن حملها على العارية كما ذكره بعيد غاية البعد ، ويؤيد ذلك اتفاق الأخبار المذكورة على الاشتمال على أخذ العوض ، مع أن العارية لا عوض فيها ، ويزيده تأييدا أيضا أن المستفاد من أخبار العارية أن المستعير انما له الانتفاع بالعين فيما يترتب عليها من وجوه الانتفاعات إن كان الاذن عاما ، وأما استيفاء الأعيان منها كاللبن والسمن ونحو ذلك فلم يقم عليه دليل ، وهذه المسئلة إنما أخذها الأصحاب من العامة ، وهذه التسمية بالمنحة إنما هي في حديثهم المروي من طريقهم ، والا فأحاديثنا خالية عن ذلك بالكلية.
وبالجملة فإنه لا مستند لهذا الحكم ظاهرا الا ما يتراءى من دعوى الاتفاق إن تم ، والا فالحجة غير واضحة ، وأما تعليل العلامة لذلك بقوله فيما قدمنا من كلامه باقتضاء الحكمة إباحته فعليل ، والله سبحانه العالم.
الرابعة : قد تقدم أن العارية من العقود الجائزة ، وللمالك الرجوع فيها ، سواء كانت مطلقة أو مقيدة بمدة إلا في بعض المواضع التي تقدم استثنائها وتقدم نقل خلاف ابن الجنيد في الأرض البراح يعيرها للبناء والغرس إذا قيد الإعارة بمدة ، في أنه ليس له الرجوع حتى تنقضي المدة ، فحكم بلزومها من طرف المعير حتى تنقضي المدة ، والمشهور خلافه.
بقي الكلام في أنه لو أذن له في البناء أو الغرس أو الزرع ثم طلب إزالته بعد ذلك ، فظاهر الأصحاب أن له ذلك من حيث جواز الرجوع متى شاء ، ولكن عليه الأرش من حيث الاذن ، وخالف الشيخ في الزرع ، فقال : ليس له المطالبة
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٢٢٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ١٢٧ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٢ ص ٢٦٠ ح ٢.