بها ظاهر ، الا أن ما ذكره في الصورة الثالثة مما يمكن تطرق المناقشة إليه ، فإن مرجع استدلاله الى تخصيص عمومي الآية والاخبار ـ الدالة على صحة الصلح في مثل هذه الصورة ـ بالأخبار الدالة على النهى عما يشتمل على الغرر والجهالة في المعاوضة.
والتحقيق أن يقال : لا ريب أن هنا عمومين قد تعارضا ، وهما عموم أخبار الصلح الدال على دخول مثل هذه الصورة ، وعموم أخبار النهي عن الغرر والجهالة الشامل للصلح وغيره من المعاوضات ، وليس تخصيص عموم أخبار الصلح ـ بعموم أخبار النهي عن الغرر ليتم ما ذكره ـ بأولى من تخصيص عموم أخبار النهي عن الغرر والجهالة بأخبار الصلح ، فيقال : حينئذ بصحة الصلح في هذه الصورة وان استلزم الغرر والجهالة كما أن ذلك حاصل في الصورة الثانية والرابعة ، ولا بد لترجيح أحدهما على الأخر من دليل ، ويمكن ترجيح الثاني بظهور عموم أخبار الصلح مع تكاثرها وتعددها على وجه يشمل الصورة المذكورة ، بخلاف ما دل على النهى عن الغرر والمجهول ، فانا لم نقف فيه على رواية صريحة ، وان تكرر دورانه في كلامهم ، وتداول على رؤوس أقلامهم.
وقد تقدم في كتاب البيع قول جملة من الأصحاب بصحة بيع المجهول في جملة من المواضع ، ودلت جملة من الاخبار على الصحة أيضا في مواضع ، وقد حققنا البحث ثمة على وجه يظهر منه أنه ليس ذلك بقاعدة كلية ، ولا ضابطة جلية كما ادعاه جملة منهم ، وبذلك يظهر لك أن الأظهر هنا هو ترجيح عموم أخبار الصلح وإبقائها على عمومها ، والتخصيص فيما دل على النهى عن الغرر والمجهول ، فإنه إذا ثبت صحة العقد مع الجهل والغرر في البيع الذي هو أكثر شروطا وأضيق مدخلا ثبت في الصلح بطريق أولى ، لأنه موضوع على المسامحة والمساهلة ، ولأن العمدة فيه كما هو المفهوم من أخباره هو التراضي من الطرفين ، اما ظاهرا وباطنا. فيصح حينئذ كذلك أو ظاهرا خاصة فتختص الصحة بالظاهر ، والتراضي في موضع النزاع حاصل ظاهرا وباطنا.
ويؤيد ما قلناه ما هو ظاهر من كلام جملة من متقدمي المتأخرين كالمحقق والعلامة وغيرهما من الحكم بصحة الصلح مع العلم والجهل مطلقا ، كما قدمناه