وقوله : (بِالْحُسْنَى) أي بالمثوبة الحسنى ، أي بأفضل مما عملوا ، وفيه إشارة إلى مضاعفة الحسنات كقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) [النمل : ٨٩]. والحسنى : صفة لموصوف محذوف يدل عليه (يَجْزِيَ) وهي المثوبة بمعنى الثواب.
وجاء ترتيب التفصيل لجزاء المسيئين والمحسنين على وفق ترتيب إجماله الذي في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) [النجم : ٣٠] على طريقة اللف والنشر المرتب.
وقوله : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) إلخ صفة ل (الَّذِينَ أَحْسَنُوا) ، أي الذين أحسنوا واجتنبوا كبائر الإثم والفواحش ، أي فعلوا الحسنات واجتنبوا المنهيات ، وذلك جامع التقوى. وهذا تنبيه على أن اجتناب ما ذكر يعدّ من الإحسان لأن فعل السيئات ينافي وصفهم بالذين أحسنوا فإنهم إذا أتوا بالحسنات كلها ولم يتركوا السيئات كان فعلهم السيئات غير إحسان ولو تركوا السيئات وتركوا الحسنات كان تركهم الحسنات سيئات.
وقرأ الجمهور (كَبائِرَ الْإِثْمِ) بصيغة جمع (كبيرة). وقرأ حمزة والكسائي كبير الإثم بصيغة الإفراد والتذكير لأن اسم الجنس يستوي فيه المفرد والجمع.
والمراد بكبائر الإثم : الآثام الكبيرة فيما شرع الله وهي ما شدد الدين التحذير منه أو ذكر له وعيدا بالعذاب أو وصف على فاعله حدا.
قال إمام الحرمين : «الكبائر كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين وبرقة ديانته».
وعطف الفواحش يقتضي أن المعطوف بها مغاير للكبائر ولكنها مغايرة بالعموم والخصوص الوجهي ، فالفواحش أخص من الكبائر وهي أقوى إثما.
والفواحش : الفعلات التي يعد الذي فعلها متجاوزا الكبائر مثل الزنى والسرقة وقتل الغيلة ، وقد تقدم تفسير ذلك في سورة الأنعام عند قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأعراف : ٣٣] الآية وفي سورة النساء [٣١] في قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ).
واستثناء اللمم استثناء منقطع لأن اللمم ليس من كبائر الإثم ولا من الفواحش.
فالاستثناء بمعنى الاستدراك. ووجهه أن ما سمي باللمم ضرب من المعاصي المحذر