وفي «صحيح البخاري» عن ابن عمرو ابن عباس «أنهما أفتيا امرأة جعلت أمّها على نفسها صلاة بمسجد قباء ولم تف بنذرها أن تصلي عنها بمسجد قباء».
وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم سعد بن عبادة أن يقضي نذرا نذرته أمه ، قيل كان عتقا ، وقيل صدقة ، وقيل نذرا مطلقا.
وقد كانت هذه الآية وما ثبت من الأخبار مجالا لأنظار الفقهاء في الجمع بينهما والأخذ بظاهر الآية وفي الاقتصار على نوع ما ورد فيه الإذن من النبي صلىاللهعليهوسلم أو القياس عليه.
ومما يجب تقديمه أن تعلم أن التكاليف الواجبة على العين فرضا أو سنة مرتّبة المقصد من مطالبة المكلف بها ما يحصل بسببها من تزكية نفسه ليكون جزءا صالحا فإذا قام بها غيره عنه فات المقصود من مخاطبة أعيان المسلمين بها ، وكذا اجتناب المنهيات لا تتصور فيها النيابة لأن الكف لا يقبل التكرر فهذا النوع ليس للإنسان فيه إلا ما سعى ولا تجزئ فيه نيابة غيره عنه في أدائها ، فأما الإيمان فأمره بيّن لأن ماهية الإيمان لا يتصور فيها التعدد بحيث يؤمن أحد عن نفسه ويؤمن عن غيره لأنه إذا اعتقد اعتقادا جازما فقد صار ذلك إيمانه. قال ابن الفرس في «أحكام القرآن» : «أجمعوا على أنه لا يؤمن أحد عن أحد».
وأما ما عدا الإيمان من شرائع الإسلام الواجبة فأما ما هو منها من عمل الأبدان فليس للإنسان إلا ما سعى منه ولا يجزئ عنه سعي غيره لأن المقصود من الأمور المعيّنة المطالب بها المرء بنفسه هو ما فيها من تزكية النفس وارتياضها على الخير كما تقدم آنفا.
ومثل ذلك الرواتب من النوافل والقربات حتى يصلح الإنسان ويرتاض على مراقبة ربه بقلبه وعمله والخضوع له تعالى ليصلح بصلاح الأفراد صلاح مجموع الأمة والنيابة تفيت هذا المعنى.
فما كان من أفعال الخير غير معين بالطلب كالقرب النافلة فإن فيه مقصدين مقصد ملحق بالمقصد الذي في الأعمال المعيّنة بالطلب ، ومقصد تكثير الخير في جماعة المسلمين بالأعمال والأقوال الصالحة وهذا الاعتبار الثاني لا تفيته النيابة.
والتفرقة بين ما كان من عمل الإنسان ببدنه وما كان من عمله بماله لا أراه فرقا مؤثرا في هذا الباب ، فالوجه اطراد القول في كلا النوعين بقبول النيابة أو بعدم قبولها :