ويجوز أن يكون قد حصل في الأفق بين سمت القمر وسمت الشمس مرور جسم سماوي من نحو بعض المذنبات حجب ضوء الشمس عن وجه القمر بمقدار ظل ذلك الجسم على نحو ما يسمى بالخسوف الجزئيّ ، وليس في لفظ أحاديث أنس بن مالك عند مسلم والترمذي ، وابن مسعود وابن عباس عند البخاري ما يناكد هذا.
ومن الممكن أن يكون هذا الانشقاق حدثا مركبا من خسوف نصفي في القمر على عادة الخسوف فحجب نصف القمر ، والقمر على سمت أحد الجبلين وقد حصل في الجو ساعتئذ سحاب مائي انعكس في بريق مائه صورة القمر مخسوفا بحيث يخاله الناظر نصفا آخر من القمر دون كسوف طالعا على جهة ذلك الجبل ، وهذا من غرائب حوادث الجوّ.
وقد عرفت حوادث من هذا القبيل بالنسبة لأشعة الشمس ، ويجوز أن يحدث مثلها بالنسبة لضوء القمر على أنه نادر جدا وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) في سورة الأعراف [١٧١].
ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : «كسف القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : سحر القمر فنزلت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية فسماه ابن عباس كسوفا تقريبا لنوعه.
وهذا الوجه لا ينافي كون الانشقاق معجزة لأن حصوله في وقت سؤالهم من النبيصلىاللهعليهوسلم آية وإلهام الله إياهم أن يسألوا ذلك في حين تقدير الله كاف في كونه آية صدق. أو لأن الوحي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يتحدّاهم به قبل حصوله دليل على أنه مرسل من الله إذ لا قبل للرسول صلىاللهعليهوسلم بمعرفة أوقات ظواهر التغيرات للكواكب. وبهذا الوجه يظهر اختصاص ظهور ذلك بمكة دون غيرها من العالم ، وإما على الوجه الأول فإنما لم يشعر به غير أهل مكة من أهل الأرض لأنهم لم يكونوا متأهبين إليه إذ كان ذلك ليلا وهو وقت غفلة أو نوم ولأن القمر ليس ظهوره في حد واحد لأهل الأرض فإن مواقيت طلوعه تختلف باختلاف البلدان في ساعات الليل والنهار وفي مسامتة السماء.
قال ابن كيسان : هو على التقديم والتأخير. وتقديره : انشق القمر واقتربت الساعة ، أي لأن الأصل في ترتيب الأخبار أن يجري على ترتيبها في الوقوع وإن كان العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا في الوقوع.
(وَانْشَقَ) مطاوع شقه ، والشق : فرج وتفرّق بين أديم جسم ما بحيث لا تنفصل قطعة مجموع ذلك الجسم عن البقية ، ويسمى أيضا تصدعا كما يقع في عود أو جدار.