ولحديث أنس بن مالك أن الآية نزلت بعد انشقاق القمر.
وعلى جميع تلك الروايات فانشقاق القمر الذي هو معجزة حصل في الدنيا. وفي «البخاري» عن ابن مسعود أنه قال : «خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان. وعن الحسن وعطاء أن انشقاق القمر يكون عند القيامة واختاره القشيري ، وروي عن البلخي. وقال الماوردي : هو قول الجمهور ، ولا يعرف ذلك للجمهور.
وخبر انشقاق القمر معدود في مباحث المعجزات من كتب «السيرة» و «دلائل النبوة».
وليس لفظ هذه الآية صريحا في وقوعه ولكن ظاهر الآية يقتضيه كما في «الشفاء».
فإن كان نزول هذه الآية واقعا بعد حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث ابن مسعود في «جامع الترمذي» فتصدير السورة ب (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) للاهتمام بالموعظة كما قدمناه آنفا إذ قد تقرر المقصود من تصديق المعجزة.
فجعلت تلك المعجزة وسيلة للتذكير باقتراب الساعة على طريقة الإدماج بمناسبة أن القمر كائن من الكائنات السماوية ذات النظام المساير لنظام الجو الأرضي فلما حدث تغير في نظامه لم يكن مألوفا ناسب تنبيه الناس للاعتبار بإمكان اضمحلال هذا العالم ، وكان فعل الماضي مستعملا في حقيقته. وروي أن حذيفة بن اليمان قرأ وقد انشق القمر.
وإن كان نزولها قبل حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث أنس بن مالك فهو إنذار باقتراب الساعة وانشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة ومع الإيماء إلى أن الانشقاق سيكون معجزة لما يسأله المشركون. ويرجح هذا المحمل قوله تعالى عقبه : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر : ٢] كما سيأتي هنالك.
وإذ قد حمل معظم السلف من المفسرين ومن خلفهم هذه الآية على أن انشقاق القمر حصل قبل نزولها أو بقرب نزولها فبنا أن نبين إمكان حصول هذا الانشقاق مسايرين للاحتمالات الناشئة عن روايات الخبر عن الانشقاق إبطالا لجحد الملحدين ، وتقريبا لفهم المصدقين.
فيجوز أن يكون قد حدث خسف عظيم في كرة القمر أحدث في وجهه هوة لاحت للناظرين في صورة شقه إلى نصفين بينهما سواد حتى يخيل أنه منشق إلى قمرين ، فالتعبير عنه بالانشقاق مطابق للواقع لأن الهوة انشقاق وموافق لمرأى الناس لأنهم رأوه كأنه مشقوق.